وكذكره يوم حليمة, وهو للحارث بن جبلة الغساني ملك الشام على المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة. ثم تعددت قصائد النابغة في ملوك الشام مما يجعل المسألة -فيما يظهر- أن شعر النابغة قسّم نفسه بين الإمارتين وإن حنّ إلى الحيرة، ولا شك أن شعر النابغة يؤرخ إلى حد كبير موقف الإمارتين معا، وصلة النابغة منهما، وقيمة شعره ومكانته في هذه البيئة العربية القديمة. يقول في مدح عمرو بن الحارث الأصغر الغساني من قصيدة:
إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم ... عصائب طير تهتدي بعصائب
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
تُوُورثن من أيام يوم حليمة ... إلى اليوم قد جربن كل التجارب
ويعتذر إلى النعمان بقوله:
أنبئت أن أبا قابوس أوعدني ... ولا قرار على زأر من الأسد
مهلا فداء لك الأقوام كلهم ... وما أثمر من مال من ولد
وقد قلنا فيما مضى باختلاف النعمان بن المنذر والنابغة الذبياني في تفسير مدائح النابغة في ملوك الشام؛ فالنعمان فسره تفسيرا سياسيا عاما, إذ هو التجاء إلى خصم منافس وتقوية لشأنه وبخاصة عقب انتصار الشام على الحيرة, ولكن النابغة فسره تفسيرا شخصيا قريبا بأنه شكر على صنيع ينهض به جميع الشعراء, ولا شك أن النابغة لم يخل سلوكه مطلقا من السياسة الشامية الحيرية, فكان شعره سياسيا لذلك١.
فإذا نظرنا إلى علاقة الغساسنة بالقبائل, وجدنا في ديوان النابغة وغيره صورا شعرية لهذا العلاقة السياسية، وحين غزا النعمان بن الحارث الغساني بني جن من عذرة -على غير رأي النابغة الذبياني- التحم قوم النابغة ببني جن والتقوا مع آل غسان, فهزموهم وحازوا على ما معهم من الغنائم، فقال النابغة في ذلك:
لقد قلت للنعمان يوم لقيته ... يريد بني جن ببرقة صادر
١ راجع تاريخ الشعر السياسي ص٤٩, ٥٠.