تجنب بني جن فإن لقاءهم ... كريه وإن لم تلق إلا بصابر
عظام اللهى أولاد عذرة إنهم ... لهاميم يستلهونها بالحناجر
هم منعوا وادي القرى عن عدوهم ... بجمع مبير للعدو المكاثر
وسائر القصيدة تصوير لقوة هذه القبيلة وسلطانها وآثارها الحماسية, مما يدل على أن قلب النابغة كان معها على الغسانيين؛ ولا غرو فقد كان النابغة من مادحي العذريين١. وسنتحدث بتفصيل ما عن شعر النابغة السياسي عندما نعرض لترجمته إن شاء الله.
٨- وقد آن لنا بعد ذلك أن نتحدث عن الشعر السياسي بمكة حيث قامت حكومة قريش. ولسنا بحاجة هنالك إلى أن نعيد القول في الظروف السياسية التي أحاطت بنشأة "الحكومة المكية" ولا في العوامل المختلفة التي ساعدت على نموها وتطورها حتى تسامق ذلك الكيان السياسي لقبيلة قريس, التي اجتمعت لها خصائص دينية وأدبية واقتصادية واجتماعية لم تتوافر لغيرها من القبائل. فقد استوعبنا ذلك في باب الحياة السياسية، ولا سيما الفصل الخاص "بطبيعة الحكم في الحجاز"، وإنما نريد هنا أن نلقي ضوءا يسيرا على هذا الشعر الذي قيل في سبيل هذه الدولة الفنية، وتثبيت كيانها والدفاع عن حوزتها أو في نقدها وتجريحها وتهديدها.
وقد علمنا -فيما مضى- أن قصيا احتال على أبي غبشان الذي كانت بيده مفاتيح الكعبة، فاستاءت خزاعة لذلك فقامت الحرب بينها وبين قريش، واستنجد قصي بأخيه رزاح بن كلاب فنصره على خزاعة وحلفائها, وآزره حتى كسب المعركة واستقام له الأمر، وينسب لرزاح في تصوير هذه الحادثة قوله:
لما أتاني من قصي رسول ... فقال الرسول أجيبوا الخليلا
نهضنا إليه نقود الجياد ... ونطرح عنا الملول الثقيلا