٩- وقد سجل الحجازيون في أشعارهم بعض الحوادث الجلى التي انتابتهم, ومن ذلك حادثة الفيل التي ذكرها القرآن الكريم؛ فقد أراد أبرهة ملك الحبشة غزو مكة وهدم البيت الحرام، وسار بجيشه وكتائبه العظيمة حتى وصلوا المغمس، وبعث القائد الحبشي رسولا إلى مكة يطلب زعيمها، وكان إذ ذاك عبد المطلب بن هاشم، فانطلق حتى أتى معسكر الأحباش، وهناك سأله أبرهة حاجته، فقال للترجمان: حاجتي أن يرد الملك علي مائتي بعير أصابها لي. فقال أبرهة للترجمان: قل له: قد كنت أعجبتني حين رأيتك, ثم قد زهدت فيك حين كلمتني! أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه؟! فأجابه عبد المطلب:"إني أنا رب الإبل, وإن للبيت ربا سيمنعه ويحميه".
ورجع عبد المطلب إلى قريش، وأنبأهم بعزم الطاغية على هدم بيت الله الحرام، وأمرهم بالخروج من مكة والتحرز في شعف الجبال والشعاب, ثم أخذ بحلقة باب الكعبة يدعو الله أن ينصرهم ومعه نفر من قريش، وكان يهتف بالأبيات المشهورة: لاهم إن العبد ... إلخ. وطلع الصباح، وتحرك جيش الأحباش تتقدمه الفيلة متجهة نحو الكعبة ما عدا كبيرهم، فقد ظل جامدا في مكانه وأبى أن يتحرك في الطريق إلى مكة, فإذا وجهوه إلى اليمن أسرع وهرول.
وحلت عليهم نقمة الله الذي صرفهم عن بيته بالطير الأبابيل, ترميهم بحجارة من سجيل، حتى جعلهم كعصف مأكول. ولعل تلك الطير أول قاذفات قنابل جاءت إلى العالم لم يصنعها إنسان ليفتك بأخيه الإنسان، ولكن صنعها العزيز القهار ليحطم بها قوى الظلم والعدوان.
وحادثة الفيل حادثة لها خطرها في تاريخ الحجازيين خاصة, والعرب عامة. وقد هزت الكيان القومي، لا للمكيين وحدهم، وإنما للعرب أجمع، فإن البيت الحرام