للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن تبعه من قبائل العرب، وقاتله ليصرفه عن هدم الكعبة، فقد رأى نفيل -كما رأى ذو نفر من قبل- أن جهاده هذا الطاغية حق مقدس في عنقه، إلا أن أبرهة هزمه وأسره، فلما همّ بقتله قال له نفيل: أيها الملك لا تقتلني؛ فإني دليلك بأرض العرب، فخلى سبيله وصحبه معه يدله على الطريق.

ورووا عن نفيل هذا شيئا عجيبا، وهو أن الأحباش لما وجهوا الفيل إلى مكة، أقبل عليه نفيل ثم أخذ بأذنه وقال: ابرك محمود -وهذا اسم الفيل- وارجع راشدا من حيث جئت؛ فإنك في بلد الله الحرام، ثم أرسل أذنه فبرك الفيل ... وأصعد نفيل في الجبل، وكان ما كان من أمر هلاكهم، ولما فاجأتهم تلك الغارات الجوية الإلهية خرجوا هاربين فزعين, يسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق إلى اليمن، وفي ذلك يقول نفيل:

ألا حييت عنا يا ردينا ... نعمناكم مع الإصباح عينا

ردينة لو رأيت فلا تريه ... لدى جنب المحصب ما رأينا

إذن لعذرتني وحمدت أمري ... ولم تأسي على ما فات بينا

حمدت الله إذ أبصرت طيرا ... وخفت حجارة تلقى علينا

وكل القوم يسأل عن نفيل ... كأن علي للحبشان دينا١

١٠- وقد كان زعماء الحجاز وأدباؤه يتفاعلون مع الأحداث العظيمة التي تنتاب البلاد العربية. ولما جلا الأحباش عن اليمن أقبلت وفود قريش على سيف بن ذي يزن تهنئه بالنصر العظيم, مما يشعرنا بوثاقة الروابط بين أجزاء الجزيرة العربية. كما أن أمية بن أبي الصلت الشاعر الحجازي يشيد بما أحرزه سيف من انتصار, موثقا أواصر الوحدة العربية. ولنستمع إليه وهو يقول:


١ بلوغ الأرب ١/ ٢٥٢، ٢٥٥-٢٥٧. المحصب: موضع بمكة. بينا: مصدر بان, يبين.

<<  <   >  >>