للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن مظاهر فخرهم بالأم وإجلالهم لها أن يفدوا بها، وهم لا يفدون إلا بما يحبونه أعظم الحب، فهذا العباس بن مرداس يمدح حليا النصري الذي أخذ الثأر لأخيه:

فدى لك أمي إذ ظفرت بقتله ... وأقسم أبغي عنك أما ولا أبا١

وهذا حسان بن ثابت يفدي بأمه وخالته أولئك الذين انتقموا من أعدائه:

فدى لبني النجار أمي وخالتي ... غداة لقوهم بالمثقفة السمر٢

والأم أعظم رباط بين الإخوة, ولا سيما في وقت الشدائد كما ترى عند الشنفرى:

أقيموا بني أمي صدور مطيكم ... فإني إلى قوم سواكم لأميل

ولذلك فهم ينكرون أشد الإنكار هرب الأخ من أخيه في المعركة. قال حسان معيرا الحارث بن هشام فراره عن أخيه الحكم, وتركه في أرض المعركة يوم بدر:

هلا عطفت على ابن أمك إذ ثوى ... قعص الأسنة٣ ضائع الأسلاب

ويتضح ذلك أكثر من تلك المراثي الحارة, والدموع السخينة التي يذرفها الحجازي على أخيه الشقيق أو أخيه لأمه؛ لأن رابطة الأمومة هي التي توحد بينهما ولا تجعل النسيان يتطرق إلى قلب الحي منهما. فهذا أبو العيال الهذلي يرثي أخاه لأمه عبد بن زهرة, فيذكر شجاعته وصبره في الحرب ويذكر حاله هو إذا عاودته ذكرى أخيه, فدمعه ينسكب والليل يأتيه بهمّ جديد:

ألا لله درك من ... فتى قوم إذا رهبوا

وقالوا: من فتى للحر ... ب يرقبنا ويرتقب

فكنت فتاهم فيها ... إذا يرعى لها يثب

ذكرت أخي فعاودني ... صداع الرأس والوصب


١ الأغاني ١٣/ ٦٦.
٢ معجم البلدان ٤/ ٩٦.
٣ سيرة ابن هشام ٦٢/ ٣٨٦, قعص الأسنة: القتل بها في سرعة.

<<  <   >  >>