وفيت بذمة الكندي إني ... إذ ما ذم أقوام وفيت
وأوصى عاديا يوما بألا ... تهدم يا سموءل ما بنيت
بنى لي عاديا حصنا حصينا ... وماء كلما شئت استقيت
وما أروع وفاءهم لذلك العهد الذي ضربته بنو قصي على نفسها، وهو ألا يظلم بمكة قريب ولا غريب في الحلف الذي سمي بحلف الفضول, وقد أوردنا في باب الحياة السياسية، والشعر السياسي طرفا من أنبائه. ويروى في سبب هذا الحلف أن رجلا من بني زبيد قدم مكة معتمرا في الجاهلية ومعه تجارة له فاشتراها منه العاصي بن وائل السلمي، وكان ذا قدر بمكة وشرف، فحبس عنه حقه, ثم تغيب فابتغى الزبيدي متاعه فلم يقدر عليه, فجاء إلى بني سهم يستعديهم عليه، فعرف أن لا سبيل إلى ماله، فطوف في قبائل قريش يستعين بهم فتخاذلت القبائل عنه، وانتهره الأحلاف: عبد الدار, ومخزوم، وجمح، وسهم، وعدي، وكعب. فلما رأى الزبيدي الشر، أوفى على أبي قبيس عند طلوع الشمس وقد أخذت قريش مجالسها حول الكعبة, فصاح بأعلى صوته:
يا آل فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الدار والنفر
ومحرم أشعث لم يقض عمرته ... يا آل فهر وبين الحجر والحجر
أقائم من بني سهم بذمتهم ... أم ذاهب في ضلال مال معتمر
إن الحرام لمن تمت كرامته ... ولا حرام لثوب الفاجر الغدر
فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب وحلف ليعقدن حلفا بينه وبين بطون من قريش, يمنعون القوي من ظلم الضعيف والقاطن من ظلم الغريب, وقال:
حلفت: لنعقدن حلفا عليهم ... وإن كنا جميعا أهل دار
وعقد الحلف كما سبق أن وصفنا في دار ابن جدعان، وفيه يقول الزبير بن عبد المطلب:
إن الفضول تحالفوا وتعاقدوا ... ألا يقيم ببطن مكة ظالم
أمر عليه تعاهدوا وتواثقوا ... فالجار والمعتر فيهم سالم١
١ ذكرنا هذه الأبيات في فصل الشعر السياسي ص٤٤٤, فلتراجع هناك.