الحلم:
إن طبيعة الصحراء الملتهبة قد جعلت العرب أدنى إلى الطيش وسرعة الانفعال، ولكن بعض المجربين منهم والطاعنين في السن اتصفوا بالحلم وطول الأناة. ومن الشعراء الحجازيين الذين صوروا الحلم تصويرا رائعا ذو الإصبع العدواني, وذلك في مثل قوله:
ولي ابن عم على ما كان من خلق ... مختلفان فأقليه ويقليني
فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي ... فإن ذلك مما ليس يشجيني
ولا ترى في غير الصبر منقصة ... وما سواه فإن الله يكفيني
على أنه سرعان ما يبدو التناقض بين هذا التحلم، وبين الوعيد والتهديد بالقتل في القصيدة ذاتها:
يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حتى تقول الهامة اسقوني
ولمعن بن أوس قصيدة في الحلم تحكي فلسفته في الصداقة والحياة، فهو يصور حال صديقه الذي بادره بالإساءة وأصر على قطيعته، وأمعن في سوء معاملته ولم يجد معه أناته وحلمه وصفحه، حتى لكأن في نفسه داء قديما لا يشفيه إلا الإساءة إلى صديقه.
عجبا لهذه الحياة, صديق صدوق ثابت على الود يبذل ماله في سبيل أخيه, ويحارب من حاربوه، ويصفح عما رأى منه ويغفر الزلة إثر الزلة، ومع ذلك يصر هذا الأخ على الجفوة، والثلب، والقطيعة، والحقد, وإنزال الضر بصاحبه. إن حال هذا الرجل حال إنسان يمشي في الدنيا بلا يمين:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تعدو المنية أول
وإني أخوك الدائم العهد لم أخن ... إن أبزاك خصم أو نبا بك منزل
أحارب من حاربت من ذي عداوة ... وأحبس مالي إن غرمت فأعقل
وإن سؤتني يوما صفحت إلى غد ... ليعقب يوما منك آخر مقبل
كأنك تشفي منك داء مساءتي ... وسخطي، وما في ريبتي ما تعجل
وإني على أشياء منك تربيني ... قديما لذو صفح على ذلك مجمل
ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني ... يمينك فانظر أي كف تبدل؟
وفي الناس إن رثت حبالك واصل ... وفي الأرض عن دار القلى متحول١
١ الحماسة ٢/ ٢. أبزاه: بطش به وغلبه.