أما العادات الاجتماعية فكثيرة، ولا يمكننا الإحاطة بها. وقد أثبتت في١ تضاعيف هذا الكتاب صور منها, وحسبنا أن نشير هنا إلى بعضها كالخمر والميسر.
الخمر:
كان الحجازيون في الجاهلية -كالعرب عامة- مولعين بشرب الخمر؛ لتزيدهم شجاعة وجرأة، وحماسة وحمية في الحرب، ولينتقلوا بها إلى عالم خيالي مليء بالصور المبهجة والأحلام الجميلة فرارا من الواقع المر. وقد عبر حسان بن ثابت عن هذين الباعثين تعبيرا جميلا واضحا, وذلك إذ يقول:
ونشربها فتتركنا ملوكا ... وأسدا ما ينهنهنا اللقاء
وقد أولع بشربها الحضر والبدو على السواء, واشتهرت الطائف منذ عهد بعيد بكرومها حتى إن بيادر الزبيب بها كانت تبدو كأنها الجرار, وكان بها حانات كثيرة، وقد تمادى الثقفيون في شرب الخمر حتى بعد أن حرمها الإسلام, ومنهم أبو محجن الثقفي الذي اشتهر بها اشتهارا, جعله يتطلب إلى صاحبه أن يدفنه في أصل كرمة تُرَوِّي جدورها عظامه، حتى يستمتع بها حيا وميتا:
إذا مت فادفني إلى أصل كرمة ... تروي عظامي في التراب عروقها
ولا تدفنني في الفلاة فإنني ... أخاف إذا ما مت ألا أذوقها
كذلك كان أهل يثرب يستخرجون الخمر من التمر والبسر، وكان اليهود يحملون إليها خمور الشام والطائف للتجارة، وكثرت الخمر بها, قال أنس:"إنها جرت في سكك المدينة حين حُرّمت".
ويبدو أن مجالس الخمر كانت كثيرا ما يُهزج فيها بالغناء، فهذا عمرو بن الأطنابة يفتخر باحتساء الخمر، والاستمتاع بسماع القيان العازفات على