للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على وجود مثل هذا التغيير والتبديل. ثم إن "اللات" لم يكن صنم جميع العرب، فلم خص "اللات" بالقسم في الشعر مثلا دون سائر الأصنام؟ ثم إن إدخال لفظ "الله" في مواضع أسماء الأصنام الأخرى لا يمكن أن يستقيم دائما، فلا بد أن يؤثر إدخاله على وزن الشعر, فيكف عولج الميزان؟ وكيف صحح الشعر؟

أما "ولهوزن" فيرى أن عدم ورود أسماء الأصنام في الشعر الجاهلي إلا في النادر، ليس بسبب تغيير الرواة الإسلاميين وتبديلهم لأسماء الأصنام وإنما سببه هو أدب الجاهليين وعادتهم في عدم الإسراف والإسفاف في ذكر الآلهة خاصة، وذلك على سبيل التأدب تجاه الأرباب، فاستعاضوا عن الصنم بلفظة "الله" التي لم تكن تعني إلها معينا، وإنما تعني ما تعنيه كلمة رب وإله. ومن هنا كثر استعمالها في القسم وفي التمني أو التشفي وأمثال ذلك من حالات.

فمن المستشرقين من يرى أن الكلمة عربية أصيلة، ومنهم من يرى أنها من إلاها Aiaha ومعناها "الإله" بلغة بني إرم. أما الذين قالوا بعربيتها، فيرون أنها من "اللات", واللات اسم صنم، تحرف وتولد منه هذا الاسم.

بيد أن ورود هذا الاسم في الشعر الجاهلي يفيد أن الجاهليين كانوا يعتقدون بوجود إله واحد أعلى، خلق هذا الكون، وبيده تدبيره, وهو الذي ينزل المطر ويحيي الأرض بعد موتها؛ ولذلك توجهوا إليه وأقسموا به. ولهذا الرأي سند في القرآن الكريم؛ ففيه أن قريشا كانت تعترف بأن الله هو رب السموات والأرض: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} ١.


١ تاريخ العرب قبل الإسلام ٥/ ٤١٨-٤٢٢.

<<  <   >  >>