للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يؤكد الجاحظ حادثة الفيل كما ذكرها القرآن الكريم، ويسوق الحجج في صرف الله الفيل, بالطير الأبابيل، وصد أبي يكسوم عن البيت الحرام، فقد أنزل الله سورة الفيل، وقريش يومئذ مجلبون في الرد على النبي -صلى الله عليه وسلم- وما شيء أحب إليهم من أن يروا له سقطة أو عثرة أو كذبة، أو بعض ما يتعلق به مثلهم، فلولا أنه أذكرهم أمرا لا يتدافعونه، ولا يستطيع العدو إنكاره، للذي يرى من إطباق الجميع عليه؛ لوجدوا أكبر المقال في تكذيبه والتشنيع عليه.

وقد كان بين ثقيف وقريش لقرب الدار والمصاهرة، والتشابه في الثروة، والمشاكلة في المجاورة تحاسد وتنافر. وقد كان هنالك فيهم الموالي والحلفاء والقطان والنازلة ومن يحج في كل عام. وكان البيت مزورا على وجه الدهر يأتونه رجالا وركبانا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق، وبشق الأنفس, كما قال الله تعالى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} . وكانوا بقرب سوق عكاظ وذي المجاز وهما سوقان معروفان, وما زالتا قائمتين حتى جاء الإسلام, فلا يجوز أن يكون السالب والمسلوب والمفتخر به والمفتخر عليه والحاسد والمحسود والمتدين به والمنكر له، مع اختلاف الطبائع وكثرة العلل يجمعون كلهم على قبول هذه الآية وتصديق هذه السورة, وكلهم مطبق على عداوة النبي -صلى الله عليه وسلم- والكفر به.

والمحلون من العرب ممن كان لا يرى للحرم, ولا للشهر الحرام حرمة: طيء كلها وخثعم كلها وكثير من أحياء قضاعة ويشكر والحارث بن كعب, وهؤلاء كلهم أعداء في الدين والنسب.

هذا مع ما كان في العرب من النصارى الذين يخالفون دين مشركي العرب كل الخلاف؛ كتغلب, وشيبان, وعبد القيس, وغيرهم خلطاء وأعداء, ممن يغارون ويسبون ويسبى منهم، وفيهم الثئور والأوتار والطوائل. وهي العرب وألسنتها الحداد وأشعارها التي إنما هي مياسم، وهممها البعيدة وطلبها للطوائل, وذمها لكل دقيق وجليل من الحسن والقبيح في الأشعار والأرجاز والأسجاع والمزدوج والمنثور. فهل سمعنا بأحد من جميع هؤلاء الذين ذكرنا أنكر شأن الفيل، أو عرض فيه بحرف واحد؟!

<<  <   >  >>