للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويستشهد الجاحظ على إثبات حادثة الفيل بأشعار شعراء من غير قريش أو حلفائها كربيعة بن أبي الصلت. وهو ثقفي طائفي وهو جاهلي, وثقيف يومئذ أضداد بالبلدة والمال والحدائق والجنان، وبهم اللات والغبغب، وبيت له سدنة يضاهون بذلك قريشا، وهو مع اجتماع هذه الأسباب التي توجب الحسد والمنافسة:

إن آيات ربنا بينات ... ما يماري فيهن إلا الكفور

حبس الفيل بالمغمس حتى ... ظل يحبو كأنه معقور

واضعا حلقة الجران كما قطـ ... ـر صخر من كبكب محدور١

وقد فسر الإمام محمد عبده الطير الأبابيل بأنها الرياح المتجمعة حملت إليهم ميكروب الجدري ففتك بهم, وأن الحجارة من السجيل هي ذرات التراب التي حملت الميكروب, وقد رد على ذلك الأستاذ محمد الطيب النجار ونقضه بقوله: إنه لم يعهد في لغة العرب أن يقال عن الرياح: إنها طير أبابيل أي: جماعات من الطير, ولا ينبغي أن يقال ذلك إلا بطريق مجازي بعيد، ولا يصح أن يلجأ إلى مثل هذا المجاز ما دامت الحقيقة غير مستحيلة على قدرة الله, ولا يقبل أيضا أن يقال عن ذرات التراب: إنها حجارة من سجيل, أي: من طين مطبوخ وهو الآجر.

وإذا كانت الريح قد حملت ميكروب الجدري, فلماذا هلك الأحباش وحدهم, ولم يهلك معهم العرب؟

وإذا كان حادث الفيل قد وقع عام ميلاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فمن المعقول أن سورة الفيل قد نزلت على الرسول في وقت كان يعيش فيه من أهل مكة أناس رأوا حادث الفيل بأعينهم, وبعضهم من أعداء الرسول, فلو لم تكن الطيور طيورا حقيقة والحجارة حجارة حقيقة؛ لظهر من العرب من يسارع إلى تكذيب هذه السورة ويعلن ذلك على


١ وتنسب الأبيات كذلك إلى أمية بن أبي الصلت. الجران: باطن عنق البعير. قطر: ألقي على جانبه. وكبكب: جبل خلف عرفات. راجع الحيوان ٧/ ١٩٨, ٢١٥-٢١٧.

<<  <   >  >>