وليس في الأرض شيء مما يتشاءمون به إلا والغراب عندهم أنكد منه، ولعل ذلك راجع إلى لونه وإلى عمله أو اسمه الذي اشتقت منه الغرابة والاغتراب والغريب.
ومن الشعراء الحجازيين الذين تشاءموا بنعيق الغراب زهير بن أبي سلمى, حيث توجّس أن يرتحل عنه الأحبة:
ألقى فراقهم في المقلتين قذى
أمسى بذاك غراب البين قد نعقا
وكذلك فعل النابغة:
زعم العواذل أن رحلتنا غدا
وبذاك تنعاب الغراب الأسود١
على أن بعض الشعراء اطرحوا التطير جانبا ومضوا لسبيلهم فظفروا وغنموا. روي أن النابغة خرج هو وزبان بن منظور الفزاري للغزو، فسقطت جرادة على النابغة فتطير وعاد، وأما زبان فمضى فظفر وغنم، فقال:
تعلم أنه لا طير إلا ... على متطير، وهي الثبور
بلى! شيء يوافق بعض شيء ... أحايينا، وباطله كثير
شيطان الشعر:
وكانوا يعتقدون أن لكل شاعر شيطانا يلهمه الشعر، قال حسان في جاهليته يعزو إلى شيطانه أنه قائل بعض شعره:
إذا ما ترعرع فينا الغلام ... فما إن يقال له: من هوه
إذا لم يسد قبل شد الإزار ... فذلك فينا الذي لا هوه
ولي صاحب من بني الشيصبان ... فطورا أقول، وطورا هوه
العقر على القبور:
وكانوا يعقرون على قبر الميت؛ إعظاما له، وتكريما وإعلانا عن فضله، وقيل: لأن الإبل كانت تأكل عظام الموتى إذا بليت، فكأنهم يثأرون لهم منها، أو لأن الإبل أنفس أموالهم، فكانوا يريدون بعقرها أنها قد هانت عليهم لعظم المصيبة.
١ الأغاني ٩/ ١٥٧ ساسي.