وقد مر حسان بن ثابت, أو غيره على قبر ربيعة بن مكدم الفارس الحجازي الجهير, فقال:
نفرت قلوصي عن حجارة حرة ... بنيت على طلق اليدين وهوب
لا تنفري يا ناق منه، فإنه ... شريب خمر، مسعر لحروب
لولا السفار وبعد خرق مهمه ... لتركتها تحبو على العرقوب
الهامة والصدى:
وهذه خرافة مبعثها ولوعهم بالثأر، وأي تحريض على الثأر أقوى من زعمهم أن القتيل الذي لم يؤخذ بثأره يخرج من هامته طائر يسمى الهامة، فلا يزال يقول: اسقوني اسقوني، حتى يقتل قاتله فيسكن!
يقول المسعودي: "إن من العرب من يزعم أن النفس طائر ينبسط في الجسم، فإذا مات الإنسان أو قتل لم يزل يطيف به مستوحشا يصدح على قبره، ويزعمون أن هذا الطائر يكون صغيرا، ثم يكبر حتى يكون كضرب من البوم، وهو أبدا مستوحش، ويسكن في الديار المعطلة ومصارع القتلى والقبور، وأنها لم تزل عند ولد الميت لتعلم ما يكون بعده، فتخبره به"١.
قال شداد بن الأسود بن عبد شمس في رثاء كفار قريش يوم بدر:
يخبرنا الرسول بأن سنحيا ... وكيف حياة أصداء وهام
وقال ذو الإصبع العدواني, مهددا ابن عمه المبغض له:
يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حتى تقول الهامة: اسقوني
أما الصدى فمن معانيه أنه طائر يخرج من رأس القتيل إذا بلي، كما يزعم العرب، ويظهر أنهم أطلقوه على غير القتيل فيما بعد.
١ الأمالي ١/ ١٢٩، ومروج الذهب ١/ ٢٥١, والحياة العربية من الشعر الجاهلي ٣٣٩, ٤٠٠.