للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووصف الحجازيون الكتابة وصفا جميلا بارعا، فهذا أبو ذؤيب الهذلي يشير إلى كاتب يكتب دينا له، ويصف كتابته بأنها كانت كتابة دقيقة يتأنف فيها، حتى يجعلها مزخرفة مزينة كالعروس ليلة تهدى إلى زوجها. فوصف أبو ذؤيب هذه الكتابة بأنها "رقم" و"وشي" و"نمنمة". ثم يصف لنا الصحف التي كان يكتب عليها, ويذكر أنها ناعمة رقيقة "كالرباط". ولا يكتفي بذلك, بل إنه ليعرف أن هذه الصحف لا يكتب عليها الكاتب أول مرة، وإنما يستخدمها بعد أن استخدمها غيره من قبله، فجاء صاحبنا الدائن فمحا الكتابة السابقة وكتب عليها دينه، ولكن آثار الكتابة السابقة ما زالت باقية يشاهدها أبو ذؤيب فيعرفها ويصفها، وذلك قوله:

عرفت الديار كرقم الدوا ... ة يزبرها الكاتب الحميري

برقم ووشي كما زخرفت ... بميشمها المزدهاة الهدي

أدان وأنبأه الأولو ... ن أن المدان الملي الوفي

فنمنم في صحف كالريا ... ط فيهن إرث كتاب محي١

ويشبه معاوية بن جعفر منازل حبيبته بالكتابة المجودة المنمقة, فيقول:

فإن لها منازل خاويات

... على نملى وقفت بها الركابا

من الأجزاع أسفل من نميل ... كما رجعت بالقلم الكتابا

كتاب محبر هاج بصير ... ينمقه وحاذر أن يعابا

وكما وصفوا الكتابة المجودة المتقنة، وصفوا كذلك الخط السريع المعمي الفعل الذي لا إتقان فيه. قال الشماخ يصف تعريض الخط:

كما خط عبرانية بيمينه ... بتيماء حبر ثم عرض أسطرا

وتعريض الخط هو تعميته وعدم تقويمه, وترك تبيين حروفه.


١ الميشم: الإبرة تشم بها المرأة على كفها، زخرفت: زينت. المزدهاة: التي استخفها الحسن والعجب. الهدي: العروس. أدان: باع مبيعا إلى أجل. الملي: الميسر. الرياط: الملاء, جمع ملاءة.
راجع مصادر الشعر الجاهلي ص١٢٢, وديوان الهذليين ج١ ص٦٤, ٦٥.

<<  <   >  >>