الفادحة التي كانت ترهقها، وتطورت تطورا ملحوظا. وكان القرآن يسمح للعبيد بالتحرر نظير تعويض منصف، فبرزت من جراء ذلك قوى اجتماعية. وقد أفضت هذه التدابير كلها إلى حالة من الرخاء العام، كانت الحافز الأول للترحاب الذي استقبل به الحكم العربي في عهده الأول".
وإن أمثال هذه الشهادات الناصعة من الغربيين هي التي حملت بعض المنصفين منهم أن يعتبروا معركة "بواتييه" التي انهزم فيها العرب، نذير شؤم على أوروبا والإنسانية عامة، ولقد أضاعت فرنسا فرصة تاريخية للاشتراك في الحضارة العربية التي ازدهرت بعد ذلك بزمن وجيز، أي: إنها فقدت فرصة عظيمة لاختصار عهد الفوضى الإقطاعية, وتكوين وحدتها القومية.
يقول أناتول فرانس بظرفه البارع في "الحياة المزهرة": "سأل السيد دوبوا -مرة- السيد نوزيبر الإجابة على هذا السؤال. وحينئذ قال السيد دوبوا: إن أكثر أيام التاريخ شؤما هو اليوم الذي جرت فيه معركة "بواتييه" في سنة ٧٣٢، حين تراجع العلم والفن العربيان والحضارة العربية أمام البربرية الفرنجية"١.
ولقد كانت فاتحة دستور الإسلام هذه الآيات العظيمة التي نزلت على محمد -صلى الله عليه وسلم- بغار حراء حين بلغ الأربعين:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ, خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ, اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ, الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ, عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} .
ومن طريف المصادفات أن مكة عاصمة الإسلام الكبرى التي دوى في بطحائها هذا الاستهلال الرائع، الذي يحث على القراءة والعلم والثقافة والاطلاع، هي التي شهدت صناعة الورق -وسيلة العلم والثقافة والاطلاع- وكان ذلك في سنة ٨٧هـ، أي: في عهد الوليد بن عبد الملك، أحد خلفاء بني أمية، ومنها أخذ الورق وصناعته طريقهما إلى البلدان الإسلامية الأخرى, ثم إلى دول أوروبا.