للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أنواع الاستصحاب]

- والاستصحاب أنواع: النوع الأول: استصحاب العدم الأصلي حتى يرد الدليل الناقل عنه، وهذا هو الذي أشار إليه المؤلف رحمه الله بقوله: [أن يستصحب الأصل عند عدم الدليل الشرعي] ، فيُقال: الأصل في الأشياء الطهارة، فإذا جاء دليل ناقل عن ذلك أُخذ به.

وجمهور أهل العلم على الأخذ بهذا النوع.

النوع الثاني: هو استصحاب ما دل الشرع على ثبوته ودوامه، كاستصحاب الطهارة بناءً على ما مضى من الوضوء، كمن كان على طهارة موقناً بها، فطرأ عليه شك في تلك الطهارة، فذلك الشك عند الجمهور غير ناقض للطهارة السابقة، لأن: (اليقين لا يُزال بالشك) ، وقد ذهب المالكية إلى أن ذلك الشك العارض ناقض، وأخذوا باستصحاب أمر آخر، وهو: استصحاب ما كان قبل الطهارة، فيقولون: الأصل أن الإنسان غير متوضئ، وقد توضأ ولكن وضوءه الآن مشكوك فيه، فهذا الوضوء مشكوك فيه، فلا ينقل عن الأصل المقطوع به وهو أن الأصل عدم الطهارة.

والجمهور يخالفونهم في ترتيب هذا الدليل، فيقولون: (الأصل فيمن تطهر أن يبقى على طهارته حتى يتحقق الناقض) ، ولا يختلفون في حال الموسوس؛ لأنه ورد فيه نص، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يفسو بين إليتي أحدكم وهو في صلاته، فمن وجد ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) .

وقد نظم أحد العلماء الخلاف في هذه المسألة فقال: الشكُّ في الأحداثِ لا ينقُض عكسَ الذي أشياخُنا قد رضُوا [يقصد: المالكيةَ] ومنهمُ من قال ما قلتُه أي: من المالكية من قال ذلك ومنهمُ من قال ما قلتُه من عدم النقض فلا تُومضوا إلا لما فيه الدليل الذي منهاجه للمهتدي أبيض أحمد والنعمان والشافعي والليث والأوزاعي لا يُنقَضُ وضوؤُنا بالشك إسحاق لا يُنقض والثوري هذا الوضُو ناشدْتُكم يا إخوتي رووا لما لما قيدته المواق لا تعرضوا النوع الثالث: استصحاب الدليل مع احتمال المعارض، فمن بلغه دليل من الشرع لزمه أن يعمل به، ولو احتمل أن يكون له معارض، ولا يجب البحث عن المعارض على الراجح، فأي دليل صح عندك عن النبي صلى الله عليه وسلم لزمك الأخذ به؛ لأن مدلوله راجح في حقك، و (العمل بالراجح واجب لا راجح) .

النوع الرابع: استصحاب حال الإجماع في محل الخلاف، وذلك إذا انعقد الإجماع على حكم في حال، وحصل الخلاف في حال آخر، فيُستصحب حال الإجماع لحال الخلاف، وهذا هو أضعف أنواع الاستصحاب، ولم يقل به إلا قليل من الفقهاء، لأن الإجماع إنما انعقد في حال، والخلاف حصل في حال آخر مناف له، فلا يمكن أن يُنقل الإجماع إلى الأمر الذي لم يُجمع عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>