للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أقسام الخاص]

قال: [وهو ينقسم إلى: متصل ومنفصل فالمتصل: الاستثناء والتقييد بالشرط، والتقييد بالصفة] أي: المخصص ينقسم إلى: متصل ومنفصل، فالتخصيص بالمتصل: كالاستثناء، والشرط، والتقييد بالصفة، فكل ذلك من المتصلات.

-فالتقييد بالاستثناء مثل قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان:٦٨-٧٠] ، فهذا الاستثناء اتصل بالعموم السابق وهو (من يفعل ذلك) ، واستثني منه (من تاب) فالاستثناء هنا تخصيص بمتصل.

- ومثل ذلك الشرط: فهو يخصص أيضاً ما قبله، ويكون متصلاً به (تقتل المرأة إن قاتلت) فالمرأة هنا جنس محلى بأل فهي من ألفاظ العموم، (إن قاتلت) خصص هذا العام بالشرط الذي بعده، ومعنى ذلك: أنها إن لم تقاتل لا تقتل.

- وكذلك التقييد بصفة {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:٩٧] ، (لله على الناس) الناس هنا من ألفاظ العموم؛ لأنه جنس محلى بأل، (من استطاع إليه سبيلاً) خص هذا العموم بالصفة، وهي صفة الاستطاعة.

والمخصص المتصل بأنواعه الثلاثة التي ذكرها هنا يحتاج إلى تفصيل؛ فلذلك قال: [الاستثناء: إخراج ما لولاه لدخل في الكلام] ، فإن الاستثناء الذي هو أحد المخصصات المتصلة تعريفه: هو إخراج ما لولاه -أي: لولا الاستثناء- لدخل في الكلام، كقولك: جاء القوم إلا زيداً، فلو قلت: جاء القوم، وسكت، لدلَّ ذلك على مجيء زيد، لكن إذا قلت: جاء القوم إلا زيداً، فالاستثناء أخرج زيداً من القوم.

قال المصنف: [وإنما يصح بشرط أن يبقى من المستثنى منه شيء] أي: لا يصح الاستثناء بحيث لا يبقى من المستثنى منه شيء، فلو قلت: له عليَّ عشرة إلا عشرة، فهذا باطل لا يمكن أن يصح، لكن إذا قلت: له عليّ عشرة إلا ثلاثة أو إلا أربعة فذلك جائز بالاتفاق، إذا كان دون النصف، فإذا كان النصف فصاعداً فهو محل خلاف، وهذا الخلاف فقهي لا أصولي، والذي سار عليه المؤلف أنه يصح الاستثناء حتى يبقى أقل شيء من العموم، فإذا قلت: له عليّ عشرة إلا تسعة، فهذا الاستثناء صحيح؛ لأن معناه الإقرار بواحد فقط.

[ومن شرطه أن يكون متصلاً بالكلام] أي: من شرط الاستثناء: أن يكون متصلاً بالكلام، فإن انفصل عنه وطال الانفصال كأن تقول: له عليّ عشرة، ثم بعد سكوت تقول: إلا تسعة، فهذا لا يقبل منه، إنما يقبل الاستثناء إذا كان متصلاً، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما القول بأن الاستثناء يصح ولو حصل الفصل، وقد جرى في هذا خلاف بين الأصوليين، وقد كان القاضي عبد الوهاب بن نصر المالكي رحمه الله من أهل بغداد، وأراد الخروج منها غضباً لسوء معاملة أهلها له، فخرج فلقي بعض عوام الناس خرجوا ليجمعوا الحطب؛ ليبيعوه في بغداد، فإذا اثنان منهم يتكلمان في قضية الاستثناء، فقال أحدهما للآخر: لو لقيت ابن عباس رضي الله عنهما لقلت له: لو كان الانفصال في الاستثناء مقبولاً لقال الله تعالى لأيوب عليه السلام: استثن ولم يقل له: (خذ بيدك ضغثاً فاضرب به) ! فإن أيوب عليه السلام حلف أن يضرب عدداً من الأسواط لا يتحمله المضروب، فبعد الندم على ذلك أمره الله أن يأخذ بيده ضغثاً من النخل -يجمع عدداً من العثاكيل- فيضرب به ولا يحنث، فجعل ذلك مانعاً من الحنث، ولو كان الاستثناء كافياً هنا لقال: استثن، قل: إن شاء الله، فيخرج من عهدة اليمين، فرجع القاضي إلى بغداد وترك سفره، وقال: بلد حطابه -أي: الذين يجمعون الحطب- يناقشون ابن عباس بالقرآن لا يخرج منها.

قال المصنف: [ويجوز تقديم الاستثناء على المستثنى منه] أي: يجوز أن يتقدم الاستثناء على المستثنى منه فتقول: له عليّ إلا ثلاثة عشر.

[ويجوز الاستثناء من الجنس ومن غيره] يجوز الاستثناء من الجنس وهذا الذي يسمى في اصطلاح النحويين بالاستثناء المتصل، قام القوم إلا زيداً، ومن غير الجنس وهو الذي يسمى بالاستثناء المنقطع، كقول الله تعالى: {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ} [البقرة:٣٤] أي: سجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس، فإبليس ليس من جنس الملائكة، فكان الاستثناء هنا منقطعاً.

قال المصنف [والشرط يجوز أن يتأخر عن المشروط، ويجوز أن يتقدم على المشروط] بين أن الشرط -الذي هو من المخصصات المتصلة أيضاً- يجوز أن يتأخر عن المشروط، ويجوز أن يتقدم على المشروط، فإن تأخر عنه فذلك الأصل؛ لأن من شأنه التأخر، مثل قول الله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء:١٢] .

(إن لم يكن لهن ولد) شرط، وهو متأخر عن المشروط وهو: (لكم نصف ما ترك أزواجكم) ، فمحل ميراث الزوج لنصف مال زوجته إن لم يكن لها ولد.

ويجوز أن يتقدم عليه، مثل قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:٦] .

(إن كن أولات حمل) هذا شرط، وهو متقدم على المشروط وهو: (فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) فجاء الشرط متقدماً على المشروط.

<<  <  ج: ص:  >  >>