الأمر قد يتعلق بالشيء مباشرة، مثل:(فحجوا) وقد يتعلق بسببه وما يتوقف عليه، فيكون ذلك أمراً به؛ لأن ما لا يتم الواجب المطلق إلا به فهو واجب، ومحل ذلك إن كان جزءاً من المأمور به، مثل غسل الوجه:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}[المائدة:٦] فلا يمكن أن يتحقق إلا بغسل شيء من الرأس حتى يتحقق الإنسان أنه غسل كل الوجه، فما لا يتم الواجب المطلق إلا به فهو واجب، فيدخل ذلك الجزء في وجوب غسل الوجه، ومثله مسح شيء من الوجه مع الرأس أيضاً؛ لأن مسح الرأس لا يتحقق إلا بذلك، على القول بأن الواجب مسح الرأس كله، وأن الباء في قوله:{بِرُءُوسِكُمْ}[المائدة:٦] للإلصاق لا للتبعيض، وهو محل خلاف بين الفقهاء والأصوليين.
أما إن كان سبباً فإنه لا يجب سواء دخل في الطوق أو لم يدخل فيه، فالسبب الداخل في الطوق كجمع المال حتى يبلغ نصاباً لوجوب الزكاة، فالزكاة سبب وجوبها ملك النصاب ودوران الحول عليه، فلا يجب عليك أن تجمع المال حتى يبلغ نصاباً لتجب عليك الزكاة؛ لأنه سبب ولو كان داخلاً في الطوق، وما ليس داخلاً في الطوق -كتغريب الشمس لتجب عليك صلاة المغرب- فلا يجب؛ لأنه من المحال ولا تكليف بالمحال، أما إن كان شرطاً فإن كان داخلاً في الطوق كالطهارة للصلاة فهو واجب، وإن خارجاً عن الطوق كالنقاء من دم الحيض والنفاس فلا يجب؛ لأنه خارج الطوق أصلاً لا يستطيعه المكلف، ثم قال المصنف:[وبما لا يتم الفعل إلا به كالأمر بالصلاة أمر بالطهارة المؤدية إليها] ؛ لأن الطهارة شرط للصلاة وهي داخلة في الطوق.
ثم قال:(وإذا فعل خرج المأمور عن العهدة) إذا فعل المأمور ما أمر به خرج عن العهدة، فإذا أتى بالمأمور به على الوجه الصحيح، أجزأه ولم يخاطب به مرة أخرى؛ لأنه قد أتى به على الوجه المطلوب فتبرأ ذمته منه.
قال:[من يدخل في الأمر والنهي ومن لا يدخل] قد يكون مقتضى الأمر، أي: ما يقتضيه ليس من فعل المأمور مباشرة، بل من فعل غيره، وقد يكون الأمر متناولاً بعض المأمورين دون بعض والنهي كذلك فعقد هذا الفصل لذلك، وهو في جزئيات باب الأمر والنهي.
فقال:[يدخل في خطاب الله تعالى المؤمنون] فإذا قال سبحانه: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة:٤٣] فيشمل هذا كل مؤمن لله سبحانه وتعالى، إلا إذا كان متصفاً بما يمنع دخوله في العموم كغير المكلف، ومن رفع عنه القلم، فلا يدخل في هذا الخطاب، ولهذا قال:[والساهي والصبي والمجنون غير داخلين في الخطاب] فالساهي، أي: غائب العقل في وقت الخطاب، سواء كانت غيبته عميقة كالإغماء أو خفيفة كالسهو.
والصبي: وهو غير البالغ، والمجنون: المصاب بما يغطي عقله، فهؤلاء غير داخلين في الخطاب، وأما المريض مرضاً دون ذلك بحيث لا يستطيع أداء الفعل في وقته، والمسافر الذي هو بالخيار له أن يفطر وله أن يصوم، فقد اختلف في دخولهما، فقيل: يدخلان في الخطاب؛ لأنه يلزمهما القضاء، ومثل ذلك: الحائض فيما يتعلق بالصوم دون الصلاة، والحائض لم تخاطب بالصلاة لا أداءً ولا قضاءً ولم تخاطب بالصوم أداءً، ولكنها خوطبت به قضاءً، فالقضاء هل هو بأمر جديد أو بالأمر الأول؟ والمريض والمسافر: هل تعلق بهما الخطاب في الوقت الأول، أو تجدد لهما خطاب في وقت القضاء وهو الوقت الثاني؟ هذا محل خلاف عند الأصوليين.