قال المصنف:[المجمل والمبين] عقد هذا الباب للمجمل والمبين، فالمجمل: هو اللفظ الخفي الدلالة خفاء راجحاً، أي: لا عموم فيه أو إطلاق.
والمبين: هو اللفظ الواضح الدلالة لتخصيص فيه أو تقييد.
والمجمل في اللغة: مفعل بصيغة اسم المفعول بالوصف من أجمله، أي: أذابه، والإجمال الإذابة: أجمل الشحم إذا أذابه، والكلام الذي لا تتضح دلالته كالشحم المذاب، وهو في الاصطلاح: ما افتقر إلى البيان، كما قال المصنف:[المجمل: ما افتقر إلى البيان] ، والمقصود بافتقاره، أي: افتقارنا نحن في فهمه إلى البيان، أي: ما افتقرنا نحن في فهمه إلى البيان، وذلك لأسباب كثيرة هي أسباب الإجمال، منها: ١- عدم معرفة المراد بسبب الاشتراك في الدلالة، كقوله تعالى:{إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}[البقرة:٢٣٧] ، الذي بيده عقدة النكاح يمكن أن يقصد به الزوج أو الولي، كذلك في قوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة:٢٢٨] هل المقصود الحيض أو الطهر؟ فالقرء يطلق على الحيض، كقول الراجز: يا رب ذي ضغن على قارضي له قروء كقروء الحائض ويطلق على الطهر، ومنه قول الأعشى: أفي كل يوم أنت عازم غزوة تشد لأقصاها عزيم عزائكا مورثة مالاً وفي الحي رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا فالقروء هنا بمعنى الأطهار.
٢- وقد يكون الإجمال راجعاً إلى كون المفرد نفسه خفيَّ الدلالة:{وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ}[التكوير:١٧] ، فيمكن أن يكون معناه: الإقبال، ويمكن أن يكون معناه: الإدبار.
٣- وقد يكون ذلك للاشتراك في دلالة الحرف، كقوله تعالى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}[المائدة:٦] ، الباء هنا يمكن أن تكون للإلصاق، ويمكن أن تكون للتبعيض.
٤- ومن أسباب الإجمال كذلك عدم معرفة الصفة، كالعام إذا لم يرد له بيان، مثل:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة:٤٣] فهذا محتاج في معرفته إلى البيان، فبين النبي صلى الله عليه وسلم الصلواتِ الخمس، وبين الزكاة.
قال المصنف:[والبيان: إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي] .
البيان في الأصل هو: الإظهار، اسم مصدر بيَّن الشيءَ بيانًا إذا أظهره.
وفي الاصطلاح:[إخراج الشيء من حيز الإشكال](إخراج الشيء) أي: الدليل.
[من حيز الإشكال إلى حيز التجلي] أي: إلى حيز الظهور، والتجلي: من جلاه إذا أظهره.