للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لما كانت الحاسة المخلوقة لحراسة البدن. وهي العينان موضوعة في الرأس. فينبغي أن يكون للرأس أن تتحرك إلى جميع الجهات حركة تتمكن بها الحاسة من الإشراف على جميع الأعضاء لكن ما سوى الحية من الحيوانات، فإن رؤوسها لا يمكن أن تتحرك إلى خلف حركة تكون بها العينان مشرفة على جميع الأعضاء الخلفية. لأن ذلك لا يمكن أن يكون بأن تتحرك الرأس بالاستدارة حتى تصير العينان من خلف البدن إذ كان يلزمه انقطاع النخاع، وفساد تركيب العنق، ولا يمكن أيضاً تحركة الرأس منقلباً إلى خلف لأن ذلك يلزمه أن تكون العينان نظرهما إلى فوق لا إلى جهة الأعضاء فلذلك أكثر الأعضاء الخلفية لا يمكن أن تكون محروسة بالعينين فيما سوى الحية.

وأما الحية فلو لم تكن هذه الحركة ممكنة فيها لم يكن لعينها إشراف على شيء من أعضائها لأن وضع العين في الحية هو إلى قدام جميع أعضائها. فلذلك احتيج أن يكون وضع عينيها بحيث إذا تحرك رأسها هذه الحركة يكون لأعينها إشراف على مؤخر بدنها ثم إن حركة الرأس قد تكون له بذاته، وقد تكون بمشاركة أعضاء أخرى كخرزات العنق ولا يمكن الاكتفاء بإحدى هاتين إذ لو اقتصرت على حركته بالمشاركة، لكان إذا عرضت لتلك الأعضاء آفة تمنع حركتها بطلت حركة الرأس وفائدتها، ولو اقتصر على حركته بانفراده لم تف بالمقصود. إذ حركته بانفراده لا يمكن أن تكون كبيرة تامة وإلا كان مفصله مع العنق رخواً سلساً جداً. ويلزم ذلك أن يكون التركيب واهياً، فلا بد، وأن يكون له مع هذه الحركة حركة بشركة خرزات العنق حتى تتمكن بتلك الحركة من حركات تامة إلى أكثر الجهات. فتكون للعينين اطلاع على أكثر الأعضاء وإذا كان كذلك فلا بد من عضلات لحركاته الخاصة، وعضلات لحركاته التي بالمشاركة.

فلنتكلم في كل واحد من هذه الأصناف في بحث يخصه. والله ولي التوفيق.

البحث الثاني العضل المنكسة للرأس خاصة قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العضل المنكسة للرأس خاصة ... إلى قوله: وأما العضل المنكسة للرأس والرقبة معاً إلى قدام.

الشرح لما كان التنكيس يتم بالتحريك إلى قدام وإلى أسفل جعل العضل المنكس للرأس وحده يتصل ليفه بما يلزم تقلصه التحريك إلى الجهتين جميعاً فخلق هذا العضل متصلاً بما خلف الأذنين، ومن أسفل بالقص والترقوة. وإنما جعل ذلك لأن هذا العضو لكبره يحتاج أن يكون محركه قوياً، وذلك يحوج إلى معاضدة أحد الجزئين بالآخر، وإنما لم يخلق لكل تحريك عضلة واحدة على حدة لأن التنكيس الثقيل لا يحتاج إلى آلة شديدة القوة. ولما كان هذا العضل متصلاً بهذين الموضعين فلا بد وأن يكون من كل جانب ماراً بالعنق إلى قدام على تأريب، ولا بد وأن يكون العضل من الجانبين حتى إذا أريد تنكيس الرأس من أحد جانبيه حركه العضل الذي في ذلك الجانب. وإن أريد تنكيسه بجملته حرك العضل معاً وكفى من كل عضلة واحدة في كل جانب، ولأن التنكيس كلما قلنا أسهل ولما كان طرفا هاتين العضلتين، ومن أسفل، في موضع ضيق لم يتصل ذلك الموضع بأن يكون طرف كل واحد منهما منفصلاً عن طرف الأخرى، فاحتيج أن يتحد الطرفان هناك، وهذا الاتحاد يبتدئ من العنق ويكون أكثره عند القص لأن هذا الموضع يضيق بتدريج، وإنما يوسع هذا المكان بأن يجعل أكثر ليفها الذي من أسفل البدن متصلاً بعظم الترقوة لأن ذلك يلزمه جذب كثير للترقوة في أو قات التخلص، وهو موهن لاتصالها بعظم القص وإحدى هاتين العضلتين لحمية، والأخرى تبتدئ من خلف الأذنين رباطية.

وآخرها عند القص من جوهر الوتر وهذه يصير لها رأسان أحدهما عند القص ولكن جوهره عصبي والآخر عند الترقوة وأكثر جوهره لحمي، ولأجل هذين الرأسين يظن أنها ليست عضلة واحدة وإنها عضلتان: إحداهما فوق الأخرى، ولذلك قيل أن العضل المنكسة للرأس وحده ثلاث عضلات. والحق أنه عضلتان فقط. إذ لم يوجد للتي لها رأسان مبدآن وهاتان العضلتان عظيمتان لكبر العضو المتحرك بهما، وهما في ميلان الذين يكثرون حركة رؤوسهم أو يقوونها أعظم، وذلك كالمصارعين ونحوهم. والله ولي التوفيق.

البحث الثالث العضل المنكسة للرأس مع الرقبة قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العضل المنكسة للرأس والرقبة ... إلى قوله: وأما العضل المقلبة للرأس وحده إلى خلف.

الشرح

<<  <   >  >>