هذا العضل لا يمكن أن يكون متصلاً بعظام القص لأنه يحتاج أن يمتد إلى أسفل، فلو اتصل بعظام القص لكان ليفه ينعطف عند الترقوة إلى جهة عظام الرقبة فلا يكون ذاهباً على الاستقامة، ولذلك جعل متصلاً بعظام الصلب، ويمتد من أسفل إلى الفقرة الخامسة من فقار الصدر، فلذلك هو كبير الطول، ويمتد على جميع فقار الرقبة من قدام وهو تحت المريء أي تحته إذا كان الإنسان مستلقياً وإنما خلق ذلك عظيماً لأن تنكيس الرأس مع الرقبة إنما يتم بقوة قوية لأن مفاصل الفقرات ليست شديدة السلاسة.
وهذا العضل ينتهي من فوق إلى أسافل الرأس، ويحوي الموضع الذي بين مفصل الرأس، والطرف الأسفل من الدرز اللامي وهو عضلتان كل عضلة من جانب وهما لحميتان لئلا يتأذى المريء بمماسة جرمه إلى الصلابة. وإذا تحركتا بجميع أجزائهما مال الرأس والرقبة معاً إلى قدام وتنكسا وإذا تحرك أعلاهما فقط وهو المتصل بأسافل الرأس إلى الفقرة الأولى والثانية من فقرات العنق مال الرأس وحده إلى قدام وتنكس إلى أسفل، وإنما لم يحتج في هاتين العضلتين إلى انبثاق شيء من ليفهما إلى خلف كما في المنكسة للرأس وحده لأن تلك أجزاؤها السفلية مائلة كثيراً إلى قدام، ولا كذلك هذه. فإن جميع أجزائها كأنها إلى خلف لأن مقدم العنق تسامت أكثر من منتصف الرأس ما بين قدام وخلف وعبارة الكتاب غير فصيحة لأنها توهم أن هذا الزوج ينتهي أسفله إلى الفقرة الأولى من فقار العنق، وأنه إذا تشنج بسطحه الذي يلي المريء، وهو السطح الظاهر نكس الرأس وحده. وإذا تشنج سطحه الباطن، وهو الذي يلي الفقرتين نكس الرقبة وهذا مما لا يصح البتة، فإن المتصل بالفقرة الأولى والثانية إذا لم يتصل بها دون ذلك من العظام لم يمكن البتة أن ينكس الرقبة إذ المنكس لا بد وأن يجتذب إلى أسفل والحق في هذا هو ما قلناه. والله ولي التوفيق.
البحث الرابع العضل المقلبة للرأس وحده إلى خلف قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العضلة المقلبة للرأس وحده إلى خلف ... إلى قوله: وأما العضل المقلبة للرأس مع العنق فثلاثة.
الشرح قال المشرحون إن هذه العضلات ثمان من كل جانب منها أربع: فالزوج الأول منها ينشأ من فوق مفصل الرأس مع الرقبة بقليل، وذلك هو آخر عظم مؤخر الرأس، وليس منشؤه من وسط ذلك الموضع أعني ليس في وسط ما بين جانبي مؤخر الرأس بل أحد فرديه مائل. إلى الجانب الأيمن من الرأس والآخر إلى الجانب الأيسر، وينزل كل فرد منها مؤرباً حتى يلتقي عصبهما عند سنسنة الفقرة الثانية من فقار العنق بأن يضيق ما بينهما قليلاً قليلاً إلى هناك.
والزوج الثاني ينشأ من طرف عظم مؤخر الرأس أيضاً، ولكن يكون ما بينهما من وسط ذلك الموضع أي وسط ما بين جنبيه فيكون ابتداء منشأ هذا وابتداء منشأ الزوج الأولى على خط مستقيم فوق مفصل الرأس مع الرقبة بقليل، وهذان الزوجان يماسان ذلك المفصل.
وهذا الزوج ينزل أيضاً مؤرباً، ولكن إلى الجهة الوحشية فلا يزال يتسع ما بين فرديه، حتى يبلغ منتهاه، وذلك عند الزائدتين اللتين عند جنبي الفقرة الأولى، وهما اللتان سماهما جالينوس في تشريح العظام أجنحة لهذه الفقرة، فيكون شكل هذا الزوج مع الأول هكذا: والزوج الثالث ينشأ من هاتين الزائدتين اللتين في جنبي الفقرة الأولى كل فرد منه من زائدة فيكون مؤرباً إلى الأنسي حتى ينتهي عند سنسنة الفقرة الثانية فيكون هذا الزوج واصلاً بين طرفي الزوجين الأولين.
والزوج الرابع صغير تحت الثالث. ينشأ من عظم مؤخر الرأس، وينتهي عند الفقرة الأولى، وهو على ما في الكتاب ينزل مؤرباً وينتهي عند جناحي الفقرة الأولى أعني الزائدتين اللتين على جنبيها، وذلك عند مبدأ منشأ الزوج الثالث، فيكون شكل هذه الأزواج الأربعة هكذا: