للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما كون المشهور عن أهل الحديث خلاف ما قالاه ففيه نظر؛ فكلام الخطيب في باب التدليس من «الكفاية» يؤيد ما قاله ابن القطان.

قال الخطيب: التدليس متضمِّن الإرسال لا محالة؛ لإمساك المدلِّس عن ذكر الواسطة، وإنما يفارق حال المرسل بإيهامه السماع ممن لم يسمعه قط وهو الموهن لأمره، فوجب كون التدليس متضمِّنًا للإرسال، والإرسال لا يتضمن التدليس؛ لأنه لا يقتضي إيهام السماع ممن لم يسمعه منه. ولهذا لم يذم العلماء من أرسل وذموا من دلَّس» (١).

وليس في كلام الخطيب هذا ما يدل صراحة على أن الإرسال الخفي ليس داخلًا في التدليس.

على أن الخطيب ذكر قبل كلامه هذا مباشرة ما يدل على أن الإرسال الخفي داخل في التدليس، فقد قال: «تدليس الحديث الذي لم يسمعه الراوي ممن دلَّسه عنه بروايته إياه على وجه يوهم أنه سمعه منه ويعدل عن البيان لذلك، ولو بيَّن أنه لم يسمعه من الشيخ الذي دلَّسه عنه وكشف ذلك؛ لصار ببيانه مرسِلًا للحديث غير مدلِّس فيه؛ لأن الإرسال للحديث ليس بإيهام من المرسل كونه سامعًا ممن لم يسمع منه وملاقيًا لمن لم يلقه، إلا أن التدليس الذي ذكرناه متضمن للإرسال لا محالة، من حيث كان المدلِّس ممسكًا عن ذكر مَن بينه وبين من دلَّس عنه … » (٢).

وكلامه هذا ظاهر في أنه إنما يفرق بين التدليس والإرسال بإيهام السماع في


(١) «النكت على كتاب ابن الصلاح» (٢/ ٦١٥).
(٢) «الكفاية» (ص: ٣٥٧).

<<  <   >  >>