للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: لكن قال الخطيب بعد هذا الكلام مباشرة: «وكذلك الحكم فيمن أرسل حديثًا عن شيخ، إلا أنه لم يسمع ذلك الحديث منه، وسمع ما عداه».

فهذا يدل على أن رواية الراوي عن شيخ سمع منه في الجملة حديثًا لم يسمعه منه -وهذا صورة التدليس- من قبيل الإرسال، وهو ناقض لما استدل به ابن حجر.

وهذا كله قد أوردته مناقشة مني لابن حجر، وإلَّا فقد صرَّح الخطيب في تعريفه الذي أوردته في بداية هذا المبحث أن رواية المحدِّث عمن عاصره ولم يلقه، موهمًا أنه سمع منه من قبيل التدليس. ويبدو أن ابن حجر ذهل عن كلام الخطيب هذا؛ لأنه لم يذكره في الفصل الذي خصَّه للكلام عن التدليس وأحكامه، إنما ذكره في أوائل كتابه، والله أعلم (١).

وقريب منه في التصريح قوله في «الكفاية»: «قال بعض أهل العلم: إذا دلَّس المحدِّث عمن لم يسمع منه ولم يلقه، وكان ذلك الغالب على حديثه لم تُقبل رواياته.

وأما إذا كان تدليسه عمن قد لقيه وسمع منه فيدلِّس عنه رواية ما لم يسمعه منه، فذلك مقبول، بشرط أن يكون الذي يدلِّس عنه ثقة» اهـ (٢).

فسمَّى رواية المحدِّث عمن لم يسمع منه ولم يلقه تدليسًا، وهذا ظاهر، ولله الحمد.


(١) ينظر: «المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس» للدكتور حاتم العوني (ص: ٩٥).
(٢) «الكفاية» (ص: ٣٦١)، وقد روى الخطيب بعد ذلك هذا القول عن يعقوب بن شيبة، وقد اعترض ابن رجب في «شرح علل الترمذي» (٢/ ٥٨٥) على يعقوب بقوله: «وقد كان الثوري وغيره يدلسون عمن لم يسمعوا منه أيضًا، فلا يصح ما قال يعقوب» اهـ.

<<  <   >  >>