للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إن طُغرلبك رجع إلى بغداد فأطلق الخليفة من محبسه، وحارب البَسَاسيري، إلى أن قتله في اليوم الخامس عشر من ذي الحجة سنة إحدى

وخمسين وأربعمائة، وكان الخطيب حينها بدمشق (١).

ولكن الخطيب لم يرجع إلى بغداد، وظل بدمشق فترة طويلة، حدَّث بها بعامة مصنفاته (٢).

وكانت له حلقة كبيرة بجامع دمشق، يُحدِّث فيها بكتبه المؤلَّفة والمسموعة، يقول أبو زكريا يحيى بن علي المعروف بالخطيب التِّبْريزي اللغوي المشهور: «لما دخلت دمشق في سنة ست وخمسين كان بها إذ ذاك الإمام أبو بكر الحافظ، وكانت له حلقة كبيرة يجتمعون في بكرة كل يوم فيقرأ لهم، وكنت أقرأ عليه الكتب الأدبية المسموعة له، فكان إذا مر في كتابه شيء يحتاج إلى إصلاح يصلحه، ويقول: أنت تريد مني الرواية، وأنا أريد منك الدراية.

وكنت أسكن منارة الجامع، فصعد إليَّ يومًا وسط النهار، وقال: أحببتُ أن أزورك في بيتك. وقعد عندي وتحدثنا ساعة، ثم أخرج قرطاسًا فيه شيء، وقال لي: الهدية مستحبَّة، وأسألك أن تشتري به الأقلام. ونهض، ففتحت القرطاس بعد خروجه فإذا فيه خمسة دنانير صحاح مصرية. ثم إنه مرة ثانية صعد وحمل إليَّ ذهبًا، وقال لي: تشتري به كاغدًا (٣). وكان نحوًا من الأول أو أكثر» (٤).


(١) «تاريخ بغداد» (١١/ ٤٨ - ٥٢).
(٢) «تاريخ دمشق» (٥/ ٣١).
(٣) الكاغد: الورق. ينظر: «المصباح المنير» (و ر ق).
(٤) «معجم الأدباء» (١/ ٣٩٢).

<<  <   >  >>