وأنا أرجح ترجيحا قريبا من اليقين أن الربيع كتب هذه النسخة من إملاء الشافعي، لما بينت فيما مضى، ولانه لم يذكر الترحم على الشافعي في أي موضع جاء اسمه فيه، ولو كان كتبها بعد موته لدعا له بالرحمة ولو مرة واحدة، كعادة العلماء وغيرهم.
وقد حاول الدكتور (ب. موريتس (١)) أن يدخل الشك على تاريخ هذه النسخة، فادعى في كتاب الخطوط العربية أنها مكتوبة سنة ٣٥٠ تقريبا.
فعن ذلك تردد بعض إخواني ممن تحدثت إليهم في أن الربيع كتبها، وزعموا أنها نسخة مكتوبة بعد الربيع بدهر، وأن ناسخها نقلها ونقل نص الاجازة، ثم لم يبين أنه نقلها!! وهذا رأى لا يثبت على النقد، لان المعروف في نقل الكتب أن الناسخ إذا نسخ الكتاب وتاريخ كتابته وما كتب عليه من إجازة أو سماع مثلا -: أثبت أن هذا نص ما كان على النسخة التي ينقل منها.
ثم الذي ينقضه نقضا ارتعاش القلم الظاهر في كتابة الاجازة، فلو كانت منقولة عن نسخة أخرى ما افترق خطها عما قبلها، ولكان الجميع على نسق واحد.
وكان مما احتجوا به لرأيهم ورأي الدكتور موريتس أنها مكتوبة على الورق، أن الورق لم يكن معروفا في ذلك العهد كثيرا، بل كان جل الكتابة على البردي. وهذا مردود بأن الورق كثر وفشا في القرن الثاني من الهجرة. (انظر مثلا صبح الاعشى ٢: ٤٨٦). واحتجوا أيضا بأن خطها ليس بالقلم الكوفي، الذي كان يكتب به أهل القرن الثاني والثالث. ومن العجب أن هذه الشبهة عرضت أيضا لبعض العلماء الاقدمين، وردها القلقشندي قال: " ذكر صاحب
(١) كان مديرا لدار الكتب المصرية من ٢٥ اكتوبر سنة ١٨٩٦ إلى ٣١ أغسطس سنة ١٩١١.