للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْإِنْجِيلِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَلَامُ شَيْءٍ عَنْهُ بِإِذْنِهِ عِنْدَكُمْ وَبِوَاسِطَةِ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ عِنْدَنَا، وَنَحْنُ وَأَنْتُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ، وَلَا رَآهُ، وَلَا يَسْمَعُ كَلَامَهُ أَحَدٌ، وَأَنَّ هَذَا مُحَالٌ، فَهُوَ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَنَامُ، فَعِنْدَ التَّحْقِيقِ نَحْنُ وَأَنْتُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْأُصُولِ وَالْقَوَاعِدِ الَّتِي نَفَتْ هَذِهِ الْأُمُورَ وَهِيَ بِعَيْنِهَا تَنْفِي صِحَّةَ نُبُوَّةِ مَنْ أَخْبَرَ بِهَا، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُصَدَّقَ مَنْ جَاءَ بِهَا، وَقَدِ اعْتَرَفْتُمْ مَعَنَا بِأَنَّ الْعَقْلَ يَدْفَعُ خَبَرَهُ وَيَرُدُّهُ، فَمَا لِلْحَرْبِ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ وَجْهٌ، فَكَمَا تَسَاعَدْنَا نَحْنُ وَإِيَّاكُمْ عَلَى إِبْطَالِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي عَارَضَتْ صَرِيحَ الْعَقْلِ، فَسَاعِدُونَا عَلَى إِبْطَالِ الْأَصْلِ بِنَفْسِ مَا اتَّفَقْنَا جَمِيعًا عَلَى إِبْطَالِ الْأَدِلَّةِ النَّقْلِيَّةِ بِهِ.

فَانْظُرْ هَذَا الْإِخَاءَ مَا أَلْصَقَهُ، وَالنَّسَبَ مَا أَقْرَبَهُ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ حَقِيقَةَ الْحَالِ فَانْظُرْ حَالَهُمْ مَعَ هَؤُلَاءِ الزَّنَادِقَةِ فِي رَدِّهِمْ عَلَيْهِمْ وَبُحُوثِهِمْ مَعَهُمْ وَخُضُوعِهِمْ لَهُمْ فِيهَا.

الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنَّ الرَّجُلَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِالرُّسُلِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا، فَالْكَلَامُ مَعَهُ فِي إِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ، فَلَا وَجْهَ لِلْكَلَامِ مَعَهُ فِي تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ، فَإِنَّ تَعَارُضَهُمَا فَرْعُ الْإِقْرَارِ بِصِحَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْ تَجَرَّدَ عَنِ الْمُعَارِضِ، وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِالرِّسَالَةِ فَالْكَلَامُ مَعَهُ فِي مَقَامَاتٍ: أَحَدُهَا: صِدْقُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، فَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَنْكَرَ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ، وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُقِرٌّ بِهَا وَأَنَّ الرُّسُلَ خَاطَبُوا الْجُمْهُورَ بِخِلَافِ الْحَقِّ تَقْرِيبًا لِأَفْهَامِهِمْ، وَمَضْمُونُ هَذَا أَنَّهُمْ كَذَبُوا لِلْمَصْلَحَةِ وَهَذِهِ حَقِيقَةُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ كَذِبٌ حَسَنٌ، وَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، فَالْكَلَامُ مَعَهُ فِي الْمَقَامِ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يُقِرُّ بِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ أَوْ لَا يُقِرُّ بِهِ؟ فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ جَهْلًا عُرِفَ ذَلِكَ بِمَا يُعْرَفُ بِهِ أَنَّهُ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَحَارَبَ أَعْدَاءَهُ، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى إِنْكَارِ ذَلِكَ فَقَدْ أَنْكَرَ الْأُمُورَ الضَّرُورِيَّةَ كَوُجُودِ بَغْدَادَ وَمَكَّةَ.

وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ فَالْكَلَامُ مَعَهُ فِي الْمَقَامِ الثَّالِثِ: وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ أَرَادَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ وَلَفْظُهُ أَوْ أَرَادَ خِلَافَهُ؟ فَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَهُ فَالْكَلَامُ مَعَهُ فِي الْمَقَامِ الرَّابِعِ: وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْمُرَادَ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي نَفْسِهِ أَوْ بَاطِلٌ ; فَإِنْ كَانَ حَقًّا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُعَارِضَهُ دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ أَلْبَتَّةَ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا انْتَقَلْنَا مَعَهُ إِلَى مَقَامٍ خَامِسٍ، وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يَعْلَمُ الْحَقَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ لَا يَعْلَمُهُ؟ فَإِنْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ، فَقَدْ نَسَبَهُ إِلَى جَهْلٍ، وَإِنْ قَالَ: كَانَ عَالِمًا بِهِ، انْتَقَلْنَا مَعَهُ إِلَى مَقَامٍ سَادِسٍ وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يُمْكِنُهُ التَّعْبِيرُ وَالْإِفْصَاحُ عَنِ الْحَقِّ كَمَا فَعَلْتُمْ أَنْتُمْ بِزَعْمِكُمْ، أَمْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُمْكِنًا لَهُ؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُمْكِنًا لَهُ كَانَ

<<  <   >  >>