الصُّبْحِ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشْهَرُ مِنَ الشَّمْسِ بِرَأْيٍ دَخِيلٍ، وَاسْتِحْسَانٍ ذَمِيمٍ، وَظَنٍّ فَاسِدٍ، وَنَظَرٍ مَشُوبٍ بِالْهَوَى.
فَانْظُرْ وَفَّقَكَ اللَّهُ لِلْحَقِّ: أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَاسْتِعْمَالِ الْأَثَرِ.
فَإِذَا قَضَيْتَ بَيْنَ هَذَيْنِ بِوَافِرِ لُبِّكَ وَصَحِيحِ نَظَرِكِ، وَثَاقِبِ فَهْمِكَ فَلْيَكُنْ شُكْرُكُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى حَسَبِ مَا أَرَاكَ مِنَ الْحَقِّ وَوَفَّقَكَ لِلصَّوَابِ وَأَلْهَمَكَ مِنَ السَّدَادِ.
قُلْتُ: وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ هَذَا عِنَايَتُهُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسِيرَتِهِ وَهَدْيِهِ فَإِنَّهَا تُفِيدُ عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ وَالنَّظَرِيِّ مَا لَا تُفِيدُهُ عِنْدَ الْمُعْرِضِ عَنْهَا الْمُشْتَغِلِ بِغَيْرِهَا، وَهَذَا شَأْنُ مَنْ عُنِيَ بِسِيرَةِ رَجُلٍ وَهَدْيِهِ وَكَلَامِهِ وَأَحْوَالِهِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ بِالضَّرُورَةِ مَا هُوَ مَجْبُولٌ لِغَيْرِهِ.
[فصل المقام الخامس هذه الأخبار لو لم تفد اليقين فإن الظن الغالب حاصل منها]
فَصْلٌ
الْمَقَامُ الْخَامِسُ: إِنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ لَوْ لَمْ تُفِدِ الْيَقِينَ فَإِنَّ الظَّنَّ الْغَالِبَ حَاصِلٌ مِنْهَا وَلَا يَمْتَنِعُ إِثْبَاتُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ بِهَا كَمَا لَا يَمْتَنِعُ إِثْبَاتُ الْأَحْكَامِ الطَّلَبِيَّةِ بِهَا، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ بَابِ الطَّلَبِ وَبَابِ الْخَبَرِ بِحَيْثُ يَحْتَجُّ بِهَا فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَهَذَا التَّفْرِيقُ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، فَإِنَّهَا لَمْ تَزَلْ تَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي الْخَبَرِيَّاتِ الْعِلْمِيَّاتِ كَمَا يُحْتَجُّ بِهَا فِي الطَّلَبِيَّاتِ الْعَمَلِيَّاتِ، وَلَا سِيَّمَا وَالْأَحْكَامُ الْعَمَلِيَّةُ تَتَضَمَّنُ الْخَبَرَ عَنِ اللَّهِ بِأَنَّهُ شَرَعَ كَذَا وَأَوْجَبَهُ وَرَضِيَهُ دِينًا، بِشَرْعِهِ وَدِينِهِ رَاجِعٌ إِلَى أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَلَمْ تَزَلِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَتَابِعُوهُمْ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ يَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ فِي مَسَائِلِ الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ وَالْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ، لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَلْبَتَّةَ أَنَّهُ جَوَّزَ الِاحْتِجَاجَ بِهَا فِي مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ دُونَ الْإِخْبَارِ عَنِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ.
فَأَيْنَ السَّلَفُ وَالْمُفَرِّقِينَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، نَعَمْ سَلَفُهُمْ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْمُتَكَلِّمِينَ الَّذِينَ لَا عِنَايَةَ لَهُمْ بِمَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَصْحَابِهِ، بَلْ يَصُدُّونَ الْقُلُوبَ عَنِ الِاهْتِدَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، وَيُحِيلُونَ عَلَى آرَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَقَوَاعِدِ الْمُتَكَلِّفِينَ، فَهُمُ الَّذِينَ يُعْرَفُ عَنْهُمْ تَفْرِيقٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، فَإِنَّهُمْ قَسَّمُوا الدِّينَ إِلَى مَسَائِلَ عِلْمِيَّةٍ وَعَمَلِيَّةٍ وَسَمَّوْهَا أُصُولًا وَفُرُوعًا وَقَالُوا: الْحَقُّ فِي مَسَائِلِ الْأُصُولِ وَاحِدٌ، وَمَنْ خَالَفَهُ فَهُوَ كَافِرٌ أَوْ فَاسِقٌ، وَأَمَّا مَسَائِلُ الْفُرُوعِ فَلَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهَا حُكْمٌ مُعَيَّنٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا الْخَطَأُ وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ حُكْمُهُ، وَهَذَا التَّقْسِيمُ لَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute