للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَجَعَ إِلَى مُجَرَّدِ الِاصْطِلَاحِ لَا يَتَمَيَّزُ بِهِ مَا سَمَّوْهُ أُصُولًا مِمَّا سَمَّوْهُ فُرُوعًا، فَكَيْفَ وَقَدْ وَضَعُوا عَلَيْهِ أَحْكَامًا وَضَعُوهَا بِعُقُولِهِمْ وَآرَائِهِمْ (مِنْهَا) التَّكْفِيرُ بِالْخَطَأِ فِي مَسَائِلِ الْأُصُولِ دُونَ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ، وَهَذَا مِنْ أَبْطَلِ الْبَاطِلِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (وَمِنْهَا) إِثْبَاتُ الْفُرُوعِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ دُونَ الْأُصُولِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَكُلُّ تَقْسِيمٍ لَا يَشْهَدُ لَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَأُصُولُ الشَّرْعِ بِالِاعْتِبَارِ فَهُوَ تَقْسِيمٌ بَاطِلٌ يَجِبُ إِلْغَاؤُهُ.

وَهَذَا التَّقْسِيمُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ ضَلَالِ الْقَوْمِ فَإِنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ مَا سَمَّوْهُ أُصُولًا وَمَا سَمَّوْهُ فُرُوعًا، وَسَلَبُوا الْفُرُوعَ حُكْمَ اللَّهِ الْمُعَيَّنَ فِيهَا، بَلْ حُكْمُ اللَّهِ فِيهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ آرَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَجَعَلُوا مَا سَمَّوْهُ أُصُولًا مَنْ أَخْطَأَ فِيهِ عِنْدَهُمْ فَهُوَ كَافِرٌ أَوْ فَاسِقٌ، وَادَّعَوُا الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا التَّفْرِيقِ، وَلَا يُحْفَظُ مَا جَعَلُوهُ إِجْمَاعًا عَنْ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَهَذَا عَادَةُ أَهْلِ الْكَلَامِ يُحَكِّمُونَ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَنِ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَقَدْ كَذَبَ، أَمَّا هَذِهِ دَعْوَى الْأَصَمِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ وَأَمْثَالِهِمَا يُرِيدُونَ أَنْ يُبْطِلُوا سُنَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يَدَّعُونَهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ قَطْعًا بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ نَصًّا أَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ الْمُتَنَازِعِينَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَيْسُوا كُلُّهُمْ سَوَاءً، بَلْ فِيهِمُ الْمُصِيبُ وَالْمُخْطِئُ، فَالْكَلَامُ فِيمَا سَمَّوْهُ أُصُولًا وَفِيمَا سَمَّوْهُ فُرُوعًا، يَنْقَسِمُ إِلَى مُطَابِقٍ لِلْحَقِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَغَيْرِ مُطَابِقٍ، فَانْقِسَامُ الِاعْتِقَادِ فِي الْحُكْمِ إِلَى الْمُطَابِقِ وَغَيْرِ مُطَابِقٍ كَانْقِسَامِ الِاعْتِقَادِ فِي بَابِ الْخَمْرِ إِلَى مُطَابِقٍ وَغَيْرِ مُطَابِقٍ، فَالْقَائِلُ فِي الشَّيْءِ حَلَالٌ وَالْقَائِلُ حَرَامٌ فِي إِصَابَةِ أَحَدِهِمَا وَخَطَأِ الْآخَرِ كَالْقَائِلِ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُرَى وَالْقَائِلِ أَنَّهُ لَا يُرَى فِي إِصَابَةِ أَحَدِهِمَا وَخَطَأِ الْآخَرِ، وَالْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى خَطَأٌ أَوْ عَمْدٌ فِي هَذَا كَالْكَذِبِ عَلَيْهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فِي الْآخَرِ، فَإِنَّ الْمُخْبِرَ يُخْبِرُ عَنِ اللَّهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِكَذَا وَأَبَاحَهُ، وَالْآخَرُ يُخْبِرُ أَنَّهُ نَهَى عَنْهُ وَحَرَّمَهُ، فَأَحَدُهُمَا مُخْطِئٌ قَطْعًا.

فَإِنْ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا حَلَالًا وَلَا حَرَامًا بَلْ هُوَ حَلَالٌ فِي حَقِّ مَنِ اعْتَقَدَ حِلَّهُ، حَرَامٌ فِي حَقِّ مَنِ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ.

قِيلَ: هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْمِفْتَاحِ وَغَيْرِهِ (مِنْهَا) إِنَّهُ خِلَافُ نَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَخِلَافُ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَأَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ (وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ

<<  <   >  >>