للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُ مَالِكٍ صَرَّحَ فِي رِسَالَتِهِ فِي السُّنَّةِ: إِنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ وَهَذَا لَفْظُهُ قَالَ: وَالْإِيمَانُ بِأَنَّ اللَّهَ كَلَّمَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ بِصَوْتٍ سَمِعَهُ مُوسَى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا مِنْ غَيْرِهِ، فَمَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا أَوْ شَكَّ فَقَدْ كَفَرَ، حَكَى ذَلِكَ ابْنُ شُكْرٍ فِي الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ عَنْهُ.

وَكَذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ سَالِمٍ شَيْخُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيِّ صَرَّحَ بِذَلِكَ، وَكَانَ الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ يُنْكِرُ أَوَّلًا أَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَحَكَى عَنْهُ الْكَلَابَاذِيُّ فِي كِتَابِ (التَّعَرُّفِ لِمَذْهَبِ التَّصَوُّفِ) أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ، وَهَذَا آخِرُ قَوْلِهِ كَمَا ذَكَرَهُ مَعْمَرُ بْنُ زِيَادٍ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي أَخْبَارِ الصُّوفِيَّةِ أَنَّ الْحَارِثَ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِلَا صَوْتٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ قَامَ إِمَامُ الْأَئِمَّةِ مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ وَأَبُو نَصْرٍ السِّجْزِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو عُمَرَ الطَّمَنْكِيُّ، كُلُّهُمْ يُصَرِّحُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ، وَالْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ خَلْقِ الْأَفْعَالِ.

[فصل منشأ النزاع هل كلام الرب بمشيئتة أم لا]

فَصْلٌ

مَنْشَأُ النِّزَاعِ بَيْنَ الطَّوَائِفِ أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى هَلْ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ أَمْ كَلَامُهُ بِغَيْرِ مَشِيئَتِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَلَامُهُ بِغَيْرِ مَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ، ثُمَّ انْقَسَمَ هَؤُلَاءِ أَرْبَعَ فِرَقٍ، قَالَتْ فِرْقَةٌ: هُوَ فَيْضٌ فَاضَ مِنْهُ بِوَاسِطَةِ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ عَلَى نَفْسٍ شَرِيفَةٍ فَتَكَلَّمَتْ بِهِ كَمَا يَقُولُ ابْنُ سِينَا وَأَتْبَاعُهُ وَيَنْسُبُونَهُ إِلَى أَرِسْطُو.

وَفِرْقَةٌ قَالَتْ: بَلْ هُوَ مَعْنًى قَائِمٌ بِذَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى هُوَ بِهِ مُتَكَلِّمٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْكُلَّابِيَّةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ، وَانْقَسَمَ هَؤُلَاءِ فَرِيقَيْنِ، فِرْقَةٌ قَالَتْ: هُوَ مُعَانٍ مُتَعَدِّدَةٌ فِي أَنْفُسِهَا أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَخَبَرٌ وَاسْتِخْبَارٌ، وَمَعْنًى جَامِعٌ لِهَذَا الْأَرْبَعَةِ، وَفِرْقَةٌ قَالَتْ: بَلْ هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ بِالْعَيْنِ لَا يَنْقَسِمُ وَلَا يَتَبَعَّضُ.

وَفِرْقَةٌ قَالَتْ: كَلَامُهُ هُوَ هَذِهِ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ، خَلَقَهَا خَارِجَةً عَنْ ذَاتِهِ، فَصَارَ بِهَا مُتَكَلِّمًا، وَهَذَا قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ تَلَقَّاهُ عَنْهُمْ أَهْلُ الِاعْتِزَالِ فَنُسِبَ إِلَيْهِمْ.

وَفِرْقَةٌ قَالَتْ: يَتَكَلَّمُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ كَلَامًا قَائِمًا بِذَاتِهِ سُبْحَانَهُ كَمَا يَقُولُ بِهِ سَائِرُ أَفْعَالِهِ لَكِنَّهُ حَادِثُ النَّوْعِ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ صَارَ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا كَمَا قَالَهُ مَنْ

<<  <   >  >>