وَلَا صَوْتٍ وَلَا مَعْنًى وَلَا يُرَى، وَلَا هُوَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ، وَلَا عِلْمَ وَلَا حَيَاةَ وَلَا إِرَادَةَ وَلَا حِكْمَةَ تَقُومُ بِهِ فَلَمَّا وَقَعَتِ الْمِحْنَةُ وَثَبَّتَ اللَّهُ خُلَفَاءَ الرُّسُلِ وَوَرَثَةَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى مَا وَرِثُوهُ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَعَلِمُوا أَنَّ بَاطِلَ أُولَئِكَ هُوَ نِفَاقٌ مُشْتَقٌّ مِنْ أَقْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالصَّابِئِينَ الَّذِينَ هُمْ أَعْدَاءُ الرَّسُولِ وَسُوسُ الْمُلْكِ، وَظَهَرَ لِلْأُمَّةِ سُوءُ مَذَاهِبِ الْجَهْمِيَّةِ وَمَا فِيهَا مِنَ التَّعْطِيلِ ظَهَرَ حِينَئِذٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كِلَابٍ الْبَصْرِيُّ وَأَثْبَتَ الصِّفَاتِ مُوَافَقَةً لِأَهْلِ السُّنَّةِ، وَنَفَى عَنْهَا الْخَلْقَ رَدًّا عَلَى الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَلَمْ يَفْهَمْ لِنَفْيِ الْخَلْقِ عَنْهَا مَعْنًى إِلَّا كَوْنَهَا قَدِيمَةً قَائِمَةً بِذَاتِهِ سُبْحَانَهُ، فَأَثْبَتَ قِدَمَ الْعِلْمِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ وَغَيْرِهَا، وَرَأَى أَنَّ الْقَدِيمَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ حُرُوفًا وَأَصْوَاتًا لِمَا فِيهَا مِنَ التَّعَاقُبِ وَسَبْقِ بَعْضِهَا بَعْضًا، فَجَعَلَ كَلَامَ اللَّهِ الْقَدِيمَ الَّذِي لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ هُوَ مُجَرَّدُ مَعْنًى أَوْ مَعَانٍ مَحْصُورَةٍ، وَسَلَكَ طَرِيقَةً خَالَفَ فِيهَا الْمُعْتَزِلَةَ، وَلَمْ يُوَافِقْ فِيهَا أَهْلَ الْحَدِيثِ فِي كُلِّ مَا هُمْ عَلَيْهِ، فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِصَوْتٍ وَحَرْفٍ وَتَبِعَهُ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ.
وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُهُ كُلُّهُمْ، وَالْبُخَارِيُّ صَاحِبُ الصَّحِيحِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ: قُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ إِنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِصَوْتٍ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةُ إِنَّمَا يَدُورُونَ عَلَى التَّعْطِيلِ يُرِيدُونَ أَنْ يُلْبِسُوا عَلَى النَّاسِ، بَلَى تَكَلَّمَ بِصَوْتٍ.
ثُمَّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ صُبَيْحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ صَوْتَهُ أَهْلُ السَّمَاءِ كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفِّ» ، وَصَرَّحَ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِهِ الصَّحِيحِ حَدِيثَ جَابِرٍ " «يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَادَ فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ» " فَاحْتَجَّ بِهِ فِي الْبَابِ وَإِنْ ذَكَرَهُ تَعْلِيقًا، وَذَكَرَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ شَيْئًا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَكَنَ الصَّوْتُ عَرَفُوا أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَنَادَوْا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا الْحَقَّ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute