للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المثال الرابع إثبات اليدين حقيقة لله تعالى]

الْمِثَالُ الرَّابِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥] {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: ٦٤] قَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ: مَجَازٌ فِي النِّعْمَةِ أَوِ الْقُدْرَةِ، وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْأَصْلَ الْحَقِيقَةُ فَدَعْوَى الْمَجَازِ مُخَالَفَةٌ لِلْأَصْلِ، الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَقَدِ اتَّفَقَ الْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ عَلَى بُطْلَانِ هَذِهِ الدَّعْوَى، الثَّانِي: أَنَّ مُدَّعِيَ الْمَجَازِ الْمُعَيَّنِ يَلْزَمُهُ أُمُورٌ: أَحَدُهَا: إِقَامَةُ الدَّلِيلِ الصَّارِفِ عَنِ الْحَقِيقَةِ، إِذْ مُدَّعِيهَا مَعَهُ الْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ وَمُخَالِفُهَا مُخَالِفٌ لَهُمَا جَمِيعًا، ثَانِيهَا: بَيَانُ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِمَا ذَكَرَهُ مِنَ الْمَجَازِ لُغَةً وَإِلَّا كَانَ مُنْشِئًا مِنْ عِنْدِهِ وَضْعًا جَدِيدًا، ثَالِثُهَا: احْتِمَالُ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي هَذَا السِّيَاقِ الْمُعَيَّنِ، فَلَيْسَ كُلُّ مَا احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ يَحْتَمِلُهُ هَذَا السِّيَاقُ الْخَاصُّ، وَهَذَا مَوْضِعٌ غَلِطَ فِيهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَوْ يُمَيِّزْ بَيْنَ مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ بِأَصْلِ اللُّغَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْهُ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ الْخَاصِّ وَبَيْنَ مَا يَحْتَمِلُهُ فِيهِ، رَابِعُهَا: بَيَانُ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَجَازِ الَّذِي عَيَّنَهُ بِأَنَّهُ الْمُرَادُ إِذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ فِي اللَّفْظِ تَدُلُّ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ، وَإِذَا طُولِبُوا بِهَذِهِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ تَبَيَّنَ عَجْزُهُمْ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ اطِّرَادَ لَفْظِهَا فِي مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ وَتَنَوُّعَ ذَلِكَ وَتَصْرِيفَ اسْتِعْمَالِهِ يَمْنَعُ الْمَجَازَ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥] وَقَوْلِهِ: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: ٦٤] وَقَوْلِهِ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: ٦٧] فَلَوْ كَانَ مَجَازًا فِي الْقُدْرَةِ وَالنِّعْمَةِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ مِنْهُ لَفْظُ يَمِينٍ، وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «الْمُقْسِطُونَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ» " فَلَا يُقَالُ هَذَا يَدُ النِّعْمَةِ وَالْقُدْرَةِ، وَقَوْلِهِ: " «يَقْبِضُ اللَّهُ سَمَاوَاتِهِ بِيَدِهِ وَالْأَرْضَ بِالْيَدِ الْأُخْرَى ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ» "، فَهُنَا هَزٌّ وَقَبْضٌ وَذِكْرُ يَدَيْنِ، وَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَقْبِضُ يَدَيْهِ وَيَبْسُطُهَا تَحْقِيقًا لِلصِّفَةِ لَا تَشْبِيهًا لَهَا كَمَا قَرَأَ: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: ١٣٤] وَوَضَعَ يَدَيْهِ

<<  <   >  >>