مِنْهَا: أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَيَرْحَمُونَ الْخَلْقَ فَلَهُمْ نَصِيبٌ وَافِرٌ مِنَ الْعِلْمِ وَالرَّحْمَةِ، وَرَبُّهُمْ تَعَالَى وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا، وَأَهْلَ الْبِدَعِ يُكَذِّبُونَ بِالْحَقِّ وَيُكَفِّرُونَ الْخَلْقَ، فَلَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ وَلَا رَحْمَةَ، وَإِذَا قَامَتْ عَلَيْهِمْ حُجَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَدَلُوا إِلَى حَبْسِهِمْ وَعُقُولِهِمْ إِذَا أَمْكَنَهُمْ، وَرَثَةُ فِرْعَوْنَ فَإِنَّهُ لَمَّا قَامَتْ عَلَيْهِ حُجَّةُ مُوسَى وَلَمْ يُمْكِنْهُ عَنْهَا جَوَابٌ قَالَ: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: ٢٩] (وَمِنْهَا) أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ إِنَّمَا يُوَالُونَ وَيُعَادُونَ عَلَى سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلَ الْبِدَعِ يُوَالُونَ وَيُعَادُونَ عَلَى أَقْوَالٍ ابْتَدَعُوهَا (وَمِنْهَا) أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَمْ يُؤَصِّلُوا أُصُولًا حَكَّمُوهَا وَحَاكَمُوا خُصُومَهُمْ إِلَيْهَا وَحَكَمُوا عَلَى مَنْ خَالَفَهَا بِالْفِسْقِ وَالتَّكْفِيرِ، بَلْ عِنْدَهُمُ الْأُصُولُ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ.
وَمِنْهَا: أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ إِذَا قِيلَ لَهُمْ قَالَ اللَّهُ وَقَالَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَتْ قُلُوبُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَلَمْ تَعْدُهُ إِلَى أَحَدٍ سِوَاهُ، وَلَمْ تَلْتَفِتْ إِلَى مَاذَا قَالَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَأَهْلَ الْبِدَعِ بِخِلَافِ ذَلِكَ.
(وَمِنْهَا) أَنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ يَأْخُذُونَ مِنَ السُّنَّةِ مَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ، صَحِيحًا كَانَ أَوْ ضَعِيفًا وَيَتْرُكُونَ مَا لَمْ يُوَافِقْ أَهْوَاءَهُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، فَإِذَا عَجَزُوا عَنْ رَدِّهِ نَفَوْهُ عِوَجًا بِالتَّأْوِيلَاتِ الْمُسْتَنْكَرَةِ الَّتِي هِيَ تَحْرِيفٌ لَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَأَهْلَ السُّنَّةِ لَيْسَ لَهُمْ هَوًى فِي غَيْرِهَا.
[فصل المقام السابع اختلاف درجة الدليل بحسب درجة فهم المستدل]
فَصْلٌ
وَأَمَّا الْمَقَامُ السَّابِعُ: وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ الدَّلِيلِ مِنَ الْأُمُورِ الظَّنِّيَّةِ أَوِ الْقَطْعِيَّةِ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُدْرِكِ الْمُسْتَدِلِّ، لَيْسَ هُوَ صِفَةً لِلدَّلِيلِ فِي نَفْسِهِ، فَهَذَا أَمْرٌ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ عَاقِلٌ، فَقَدْ يَكُونُ قَطْعِيًّا عِنْدَ زَيْدٍ مَا هُوَ ظَنِّيٌّ عِنْدَ عَمْرٍو، فَقَوْلُهُمْ: إِنَّ أَخْبَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحِيحَةَ الْمُتَلَقَّاةَ بَيْنَ الْأُمَّةِ بِالْقَبُولِ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ، بَلْ هِيَ ظَنِّيَّةٌ هُوَ إِخْبَارٌ عَمَّا عِنْدَهُمْ، إِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ مِنَ الطُّرُقِ الَّتِي اسْتَفَادَ بِهَا الْعِلْمَ أَهْلُ السُّنَّةِ مَا حَصَلَ لَهُمْ، فَقَوْلُهُمْ لَمْ نَسْتَفِدْ بِهَا الْعِلْمَ، لَمْ يَلْزَمْ مِنْهَا النَّفْيُ الْعَامُّ عَلَى ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِدَ لِلشَّيْءِ الْعَالِمَ بِهِ غَيْرُ وَاجِدٍ لَهُ وَلَا عَالِمٍ بِهِ، فَهُوَ كَمَنْ يَجِدُ مِنْ نَفْسِهِ وَجَعًا أَوْ لَذَّةً أَوْ حُبًّا أَوْ بُغْضًا فَيَنْتَصِبُ لَهُ مَنْ يَسْتَدِلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَجِعٍ وَلَا مُتَأَلِّمٍ وَلَا مُحِبٍّ وَلَا مُبْغِضٍ، وَيُكْثِرُ لَهُ مِنَ الشُّبَهِ الَّتِي غَايَتُهَا إِنِّي لَمْ أَجِدْ مَا وَجَدْتَهُ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَاشْتَرَكْتُ أَنَا وَأَنْتَ فِيهِ، وَهَذَا عَيْنُ الْبَاطِلِ، وَمَا أَحْسَنَ مَا قِيلَ:
أَقُولُ لِلَّائِمِ الْمُهْدِي مَلَامَتَهُ ... ذُقِ الْهَوَى وَإِنِ اسْطَعْتَ الْمَلَامَ لُمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute