للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: ١٣] ) فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَأَى رَبَّهُ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ بَلْ رَأَى جَبْرَائِيلَ، وَكَتَنَازُعِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: ١٠] فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هُوَ مَا أَصَابَ قُرَيْشًا مِنَ الْجُوعِ حَتَّى كَانَ أَحَدُهُمْ يَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ دُخَانٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ، فَالْحُجَّةُ هِيَ الَّتِي تَفْصِلُ بَيْنَ النَّاسِ.

[المثال التاسع معية الله تعالى وقربه من عباده]

الْمِثَالُ التَّاسِعُ: مِمَّا ادُّعِيَ فِيهِ الْمَجَازُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: ٤] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} [النحل: ١٢٨] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: ٤٦] وَقَوْلُهُ: {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} [الشعراء: ١٥] وَقَوْلُهُ: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: ١٦] وَقَوْلُهُ: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: ١٨٦] وَقَوْلُهُ: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: ٧] الْآيَةَ وَنَحْوُ ذَلِكَ، قَالَتِ الْمَجَازِيَّةُ: هَذَا كُلُّهُ مَجَازٌ يُمْتَنَعُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، إِذْ حَقِيقَتُهُ الْمُخَالَطَةُ وَالْمُجَاوَرَةُ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ قَطْعًا، فَإِذًا مَعْنَاهَا مَعِيَّةُ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِحَاطَةِ، وَمَعِيَّةُ النَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ وَالْمَعُونَةِ، وَكَذَلِكَ الْقُرْبُ.

قَالَ أَصْحَابُ الْحَقِيقَةِ: وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: لَا تَخْلُو هَذِهِ الْأَلْفَاظُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُهَا أَنَّ ذَاتَهُ تَعَالَى فِي كُلِّ مَكَانٍ، أَوْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ ظَاهِرَهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ ظَاهَرَهَا فَهُوَ قَوْلُ طَوَائِفَ مِنْ إِخْوَانِ هَؤُلَاءِ، وَهُمُ الْجَهْمِيَّةُ الْأُولَى، الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَيَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا أَشْبَهَهَا.

وَهَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةُ الْمُسْتَأْخِرُونَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَيْسَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ رَبٌّ، وَلَا عَلَى الْعَرْشِ إِلَهٌ، عَاجِزُونَ عَنِ الرَّدِّ عَلَى سَلَفِهِمُ الْأَوَّلِ، وَسَلَفُهُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ أَثْبَتُوا لَهُ وُجُودًا بِكُلِّ مَكَانِ، وَهَؤُلَاءِ نَفَوْا أَنْ يَكُونَ دَاخِلَ الْعَالَمِ أَوْ خَارِجَهُ، وَالرُّسُلُ وَأَتْبَاعُهُمْ أَثْبَتُوا أَنَّهُ خَارِجَ الْعَالَمِ، فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، فَنُفَاةُ النَّقِيضَيْنِ لَا يُمْكِنُهُمُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَثْبَتَ النَّقِيضَيْنِ، فَإِنَّهُمْ إِنْ قَالُوا إِثْبَاتُ النَّقِيضَيْنِ مُحَالٌ، قَالُوا لَهُمْ وَنَفْيُهُمَا مُحَالٌ، وَإِنْ قَالُوا كَوْنُهُ دَاخِلَ الْعَالَمِ يُنَافِي كَوْنَهُ خَارِجًا عَنْهُ، قَالُوا لَهُمْ: وَكَوْنُهُ

<<  <   >  >>