للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فصل الاحتجاج بالأحاديث النبوية على إثبات صفات الله المقدسة العلية]

[المقام الأول بيان إفادة النصوص الدلالة القاطعة على مراد المتكلم]

فَصْلٌ

فِي الِاحْتِجَاجِ بِالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى الصِّفَاتِ الْمُقَدَّسَةِ الْعَلِيَّةِ، وَكَسْرِ طَاغُوتِ أَهْلِ التَّعْطِيلِ الَّذِينَ قَالُوا: لَا يُحْتَجُّ بِكَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.

قَالُوا: الْأَخْبَارُ قِسْمَانِ: مُتَوَاتِرٌ وَآحَادٌ، فَالْمُتَوَاتِرُ وَإِنْ كَانَ قَطْعِيَّ السَّنَدِ لَكِنَّهُ غَيْرُ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ، فَإِنَّ الدَّلَالَةَ اللَّفْظِيَّةَ لَا تُفِيدُ الْيَقِينَ، وَبِهَذَا قَدَحُوا فِي دَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الصِّفَاتِ، وَالْآحَادِ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ، فَسَدُّوا عَلَى الْقُلُوبِ مَعْرِفَةَ الرَّبِّ تَعَالَى وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحَالُوا النَّاسَ عَلَى قَضَايَا وَهْمِيَّةٍ وَمُقَدِّمَاتٍ خَيَالِيَّةٍ سَمَّوْهَا قَوَاطِعَ عَقْلِيَّةً، وَبَرَاهِينَ نَقْلِيَّةً، وَهِيَ فِي التَّحْقِيقِ {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: ٣٩] .

وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ قَدَّمُوهَا عَلَى نُصُوصِ الْوَحْيِ وَعَزَلُوا لِأَجْلِهَا النُّصُوصَ، وَالْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي عَشْرِ مَقَامَاتٍ.

أَحَدُهَا: فِي بَيَانِ إِفَادَةِ النُّصُوصِ الدَّلَالَةَ الْقَاطِعَةَ عَلَى مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إِشْبَاعُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ.

الثَّانِي: أَيْنَ هَذِهِ الْأَخْبَارُ الَّتِي زَعَمُوا أَنَّهَا آحَادٌ مُوَافِقَةٌ لِلْقُرْآنِ مُفَسِّرَةٌ لَهُ مُفَصِّلَةٌ لِمَا أَجْمَلَهُ وَمُوَافِقَةٌ لِلْمُتَوَاتِرِ مِنْهَا.

الثَّالِثُ: بَيَانُ وُجُوبِ تَلَقِّيهَا بِالْقَبُولِ.

الرَّابِعُ: إِفَادَتُهَا لِلْعِلْمِ وَالْيَقِينِ.

الْخَامِسُ: بَيَانُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تُفِدِ الْيَقِينَ، فَأَقَلُّ دَرَجَاتِهَا أَنْ تُفِيدَ الظَّنَّ الرَّاجِحَ، وَلَا يَمْتَنِعُ إِثْبَاتُ بَعْضِ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ بِهِ.

السَّادِسُ: إِنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ بِهَا أَقْوَى مِنَ الْجَزْمِ الْمُسْنَدِ إِلَى تِلْكَ الْقَضَايَا الْوَهْمِيَّةِ الْخَيَالِيَّةِ.

السَّابِعُ: بَيَانُ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا أَمْرٌ نِسْبِيٌّ إِضَافِيٌّ لَا يَجِبُ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ، فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ تُفِيدُ الْعِلْمَ عِنْدَ مَنْ لَهُ عِنَايَةٌ بِمَعْرِفَةِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْرِفَةِ أَحْوَالِهِ وَدَعْوَتِهِ عَلَى التَّفْصِيلِ دُونَ غَيْرِهِمْ.

<<  <   >  >>