للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَمْ يَصِفْهُمْ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ صَارَ فَاعِلًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، فَقَوْلُ هَؤُلَاءِ فِي الْفِعْلِ الْمُتَّصِلِ كَقَوْلِ أُولَئِكَ فِي الْفِعْلِ الْمُنْفَصِلِ، وَهَذَا قَوْلُ الْكَرَّامِيَّةِ.

وَفِرْقَةٌ قَالَتْ: يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ، وَكَلَامُهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ النَّاسُ كُلِّهِ حَقِّهِ وَبَاطِلِهِ وَصِدْقِهِ وَكَذِبِهِ، كَمَا يَقُولُهُ طَوَائِفُ الِاتِّحَادِيَّةِ.

وَقَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ: إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ سُبْحَانَهُ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ وَيَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَلَمْ تَتَجَدَّدْ لَهُ هَذِهِ الصِّفَةُ، بَلْ كَوْنُهُ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ هُوَ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ، وَهُوَ بَائِنٌ عَنْ خَلْقِهِ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَكَلَامِهِ، وَلَيْسَ مُتَّحِدًا بِهِمْ وَلَا حَالًّا فِيهِمْ.

وَاخْتَلَفَتِ الْفِرَقُ هَلْ يُسْمَعُ كَلَامُ اللَّهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ؟ فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: لَا يُسْمَعُ كَلَامُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا يُسْمَعُ حِكَايَتُهُ وَالْعِبَارَةُ عَنْهُ، وَهَذَا قَوْلُ الْكُلَّابِيَّةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ، وَقَالَتْ بَقِيَّةُ الطَّوَائِفِ بَلْ يُسْمَعُ كَلَامُهُ حَقِيقَةً، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: يَسْمَعُهُ كُلُّ أَحَدٍ مِنَ اللَّهِ، وَهَذَا قَوْلُ الِاتِّحَادِيَّةِ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: بَلْ لَا يُسْمَعُ إِلَّا مِنْ غَيْرِهِ، وَعِنْدَهُمْ يُسْمَعُ كَلَامُ اللَّهِ مِنْهُ، فَهَذَا قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ.

وَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ يُسْمَعُ كَلَامُهُ سُبْحَانَهُ مِنْهُ تَارَةً بِلَا وَاسِطَةٍ كَمَا سَمِعَهُ مُوسَى وَجَبْرَائِيلُ وَغَيْرُهُ، وَكَمَا يُكَلِّمُ عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُكَلِّمُ أَهْلَ الْجَنَّةِ، وَيُكَلِّمُ الْأَنْبِيَاءَ فِي الْمَوْقِفِ، وَيُسْمَعُ مِنَ الْمُبَلِّغِ عَنْهُ كَمَا سَمِعَ الْأَنْبِيَاءُ الْوَحْيَ مِنْ جَبْرَائِيلَ تَبْلِيغًا عَنْهُ، وَكَمَا سَمِعَ الصَّحَابَةُ الْقُرْآنَ مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللَّهِ، فَسَمِعُوا كَلَامَ اللَّهِ بِوَاسِطَةِ الْمُبَلِّغِ، وَكَذَلِكَ نَسْمَعُ نَحْنُ بِوَاسِطَةِ التَّالِي.

فَإِذَا قِيلَ: الْمَسْمُوعُ مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ؟ قِيلَ إِنْ أَرَدْتَ الْمَسْمُوعَ عَنِ اللَّهِ فَهُوَ كَلَامُهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَإِنْ أَرَدْتَ الْمَسْمُوعَ مِنَ الْمُبَلِّغِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ سَأَلْتَ عَنِ الصَّوْتِ الَّذِي رُوِيَ بِهِ كَلَامُ اللَّهِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ، وَإِنْ سَأَلْتَ عَنِ الْكَلَامِ الْمُؤَدَّى بِالصَّوْتِ فَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَالَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ أَرْبَعُ فِرَقٍ:

فِرْقَةٌ قَالَتْ: يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ مَخْلُوقٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ، وَهُمُ الْمُعْتَزِلَةُ.

وَفِرْقَةٌ قَالَتْ: يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ قَدِيمٍ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، وَهُمُ السَّالِمِيَّةُ وَالِاقْتِرَانِيَّةُ.

وَفِرْقَةٌ قَالَتْ: يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ قَدِيمٍ حَادِثٍ فِي ذَاتِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَهُمُ الْكَرَّامِيَّةُ.

<<  <   >  >>