حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى تَابِعًا لِآرَاءِ الرِّجَالِ وَظُنُونِهَا (وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ حَسَنًا قَبِيحًا مُرْضِيًا لِلَّهِ مَسْخُوطًا مَحْبُوبًا لَهُ مَبْغُوضًا (وَمِنْهَا) أَنَّهُ يَنْفِي حَقِيقَةَ حُكْمِ اللَّهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَمِنْهَا) أَنْ تَكُونَ الْحَقَائِقُ تَبَعًا لِلْعَقَائِدِ، فَمَنِ اعْتَقَدَ بُطْلَانَ الْحُكْمِ الْمُعَيَّنِ كَانَ بَاطِلًا وَمَنِ اعْتَقَدَ صِحَّتَهُ كَانَ صَحِيحًا، وَمَنِ اعْتَقَدَ حِلَّهُ كَانَ حَلَالًا، وَمَنِ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ كَانَ حَرَامًا، وَهَذَا الْقَوْلُ كَمَا قَالَ فِيهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَوَّلُهُ سَفْسَطَةٌ وَآخِرُهُ زَنْدَقَةٌ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ بُطْلَانَ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَشْرَعْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْمًا أَمَرَهُ بِهِ وَنَهَاهُ عَنْهُ (وَمِنْهَا) إِنَّ حُكْمَ اللَّهِ يَرْجِعُ إِلَى خَبَرِهِ وَإِرَادَتِهِ، فَإِذَا أَرَادَ إِيجَابَ الشَّيْءِ وَأَخْبَرَ بِهِ صَارَ وَاجِبًا، وَإِذَا أَرَادَ تَحْرِيمَهُ وَأَمَرَ بِذَلِكَ صَارَ حَرَامًا، فَإِنْكَارُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ حَكَمًا إِنْكَارٌ لِخَبَرِهِ وَإِرَادَتِهِ وَإِلْغَاءٌ لِتَعَلُّقِهَا بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَرْفَعُ ثُبُوتَ الْأَجْرَيْنِ لِلْمُصِيبِ، وَالْأَجْرَ لِلْمُخْطِئِ، فَإِنَّهُ لَا خَطَأَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عِنْدَهُمْ بَلْ كَانَ مُجْتَهِدًا مُصِيبًا لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَمِنْهَا) أَنَّهُ يَبْطُلُ أَنْ يُوَافِقَ أَحَدٌ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَيْسَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَلِكِ» " مَعْنًى، وَلَا لِقَوْلِهِ: " «إِنْ سَأَلُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تَفْعَلْ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمْ أَمْ لَا» " مَعْنًى وَلَا لِقَوْلِهِ: " «إِنَّ سُلَيْمَانَ سَأَلَ رَبَّهُ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ» " وَلَا لِقَوْلِهِ {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: ٧٩] مَعْنًى، إِذًا كُلٌّ مِنْهُمَا حَكَمَ بِعَيْنِ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُمْ، وَلَا لِقَوْلِهِ: " «إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» " مَعْنًى.
وَأَيْضًا فَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، قَالَ الصِّدِّيقُ فِي الْكَلَالَةِ: " أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ وَاللَّهُ بَرِيءٌ مِنْهُ وَرَسُولُهُ "، وَقَالَ عُمَرُ لِكَاتِبِهِ: " اكْتُبْ هَذَا مَا رَآهُ عُمَرُ فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنْ عُمَرَ "، وَقَالَ فِي قَضِيَّةٍ قَضَاهَا: " وَاللَّهِ مَا يَدْرِي عُمَرُ أَصَابَ الْحَقَّ أَمْ أَخْطَأَهُ "، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute