تُنَازِعُوا الْأَمْرَ أَهْلَهُ» " فَكَمَا يُرْجَعُ فِي مَذَاهِبِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ صَارُوا قُدْوَةً فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَى أَهْلِ الْفِقْهِ، وَيُرْجَعُ فِي مَعْرِفَةِ اللُّغَةِ إِلَى أَهْلِ اللُّغَةِ، وَفِي النَّحْوِ إِلَى أَهْلِ النَّحْوِ، وَكَذَا يُرْجَعُ فِي مَعْرِفَةِ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى أَهْلِ الرِّوَايَةِ وَالنَّقْلِ، لِأَنَّهُمْ عُنُوا بِهَذَا الشَّأْنِ وَاشْتَغَلُوا بِحِفْظِهِ وَالْفَحْصِ عَنْهُ وَنَقْلِهِ، وَلَوْلَاهُمْ لَانْدَرَسَ عِلْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقِفْ أَحَدٌ عَلَى سُنَّتِهِ وَطَرِيقَتِهِ.
ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْمُظَفَّرِ: فَإِنْ قَالُوا: فَقَدْ كَثُرَتِ الْآثَارُ فِي أَيْدِي النَّاسِ وَاخْتَلَطَتْ عَلَيْهِمْ قُلْنَا: مَا اخْتَلَطَتْ إِلَّا عَلَى الْجَاهِلِينَ بِهَا، فَأَمَّا الْعُلَمَاءُ بِهَا فَإِنَّهُمْ يَنْتَقِدُونَهَا انْتِقَادَ الْجَهَابِذَةِ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ، فَيُمَيِّزُونَ زُيُوفَهَا وَيَأْخُذُونَ خِيَارَهَا، وَلَئِنْ دَخَلَ فِي أَغْمَارِ الرُّوَاةِ مَنْ وُسِمَ بِالْغَلَطِ فِي الْأَحَادِيثِ فَلَا يَرُوجُ ذَلِكَ عَلَى جَهَابِذَةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَوَرَثَةِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى أَنَّهُمْ عَدُّوا أَغَالِيطَ مَنْ غَلِطَ فِي الْإِسْنَادِ وَالْمُتُونِ، بَلْ تَرَاهُمْ يَعُدُّونَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمْ فِي حَدِيثٍ غَلِطَ، وَفِي كُلِّ حَرْفٍ حَرَّفَ، وَمَاذَا صَحَّفَ، فَإِذَا لَمْ تَرُجْ عَلَيْهِمْ أَغَالِيطُ الرُّوَاةِ فِي الْأَسَانِيدِ وَالْمُتُونِ وَالْحُرُوفِ فَكَيْفَ يَرُوجُ عَلَيْهِمْ وَضْعُ الزَّنَادِقَةِ وَتَوْلِيدُهُمُ الْأَحَادِيثَ الَّتِي يَرْوِيهَا النَّاسُ حَتَّى خَفِيَتْ عَلَى أَهْلِهَا، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَلَاحِدَةِ وَمَا يَقُولُ هَذَا إِلَّا جَاهِلٌ ضَالٌّ مُبْتَدِعٌ كَذَّابٌ يُرِيدُ أَنْ يُهَجِّنَ بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ الْكَاذِبَةِ صِحَاحَ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآثَارِهِ الصَّادِقَةِ، فَيُغَالِطَ جُهَّالَ النَّاسِ بِهَذِهِ الدَّعْوَى وَمَا احْتَجَّ مُبْتَدِعٌ فِي رَدِّ آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُجَّةٍ أَوْهَنَ وَلَا أَشَدَّ اسْتِحَالَةً مِنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ، فَصَاحِبُ هَذِهِ الدَّعْوَى يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَفَّ فِي فِيهِ وَيُنْفَى مِنْ بَلَدِ الْإِسْلَامِ.
فَتَدَبَّرْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَيُجْعَلُ حُكْمُ مَنْ أَفْنَى عُمُرَهُ فِي طَلَبِ آثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْقًا وَغَرْبًا، بَرًّا وَبَحْرًا، وَارْتَحَلَ فِي الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ فَرَاسِخَ، وَاتَّهَمَ أَبَاهُ وَأَدْنَاهُ فِي خَبَرٍ يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ مَوْضِعَ التُّهْمَةِ، وَلَمْ يُحَابِهِ فِي مَقَالٍ وَلَا خِطَابٍ غَضَبًا لِلَّهِ وَحَمِيَّةً لِدِينِهِ، ثُمَّ أَلَّفَ الْكُتُبَ فِي مَعْرِفَةِ الْمُحَدِّثِينَ وَأَسْمَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ وَقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، وَذَكَرَ أَعْصَارَهُمْ وَشَمَائِلَهُمْ وَأَخْبَارَهُمْ، وَفَصَلَ بَيْنَ الرَّدِيءِ وَالْجَيِّدِ، وَالصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ، حُبًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَغِيرَةً عَلَى الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ، ثُمَّ اسْتَعْمَلَ آثَارَهُ كُلَّهَا حَتَّى فِيمَا عَدَا الْعِبَادَاتِ مِنْ أَكْلِهِ وَطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَنَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ وَقِيَامِهِ وَقُعُودِهِ وَدُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ، وَجَمِيعِ سُنَنِهِ وَسِيرَتِهِ حَتَّى فِي خُطُوَاتِهِ وَلَحَظَاتِهِ، ثُمَّ دَعَا النَّاسَ إِلَى ذَلِكَ وَحَثَّهُمْ عَلَيْهِ وَنَدَبَهُمْ إِلَى اسْتِعْمَالِهِ وَحَبَّبَ إِلَيْهِمْ ذَلِكَ بِكُلِّ مَا يَمْلِكُهُ حَتَّى فِي بَذْلِ مَالِهِ وَنَفْسِهِ كَمَنْ أَفْنَى عُمُرَهُ فِي اتِّبَاعِ أَهْوَائِهِ وَإِرَادَتِهِ وَخَوَاطِرِهِ وَهَوَاجِسِهِ، ثُمَّ تَرَاهُ مَا هُوَ أَوْضَحُ مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute