وَيُخْبِرُ عَنْهُ، فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي الطَّلَبِ وَالْخَبَرِ، وَكَمَا أَنَّ مَنْ عَارَضَ أَمْرَ الرُّسُلِ بِعَقْلِهِ لَمْ يُؤْمِنْ لَهُمْ وَبِمَا جَاءُوا بِهِ، فَكَذَلِكَ مَنْ عَارَضَ خَبَرَهُمْ بِعَقْلِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ أَصْلًا، يُوَضِّحُهُ:
أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَكَى عَنِ الْكُفَّارِ مُعَارَضَةَ أَمْرِهِ بِعُقُولِهِمْ كَمَا حَكَى عَنْهُمْ مُعَارَضَةَ خَبَرِهِ بِعُقُولِهِمْ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي قَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] فَعَارَضُوا تَحْرِيمَهُ لِلرِّبَا بِعُقُولِهِمُ الَّتِي سَوَّتْ بَيْنَ الرِّبَا وَالْبَيْعِ، فَهَذَا مُعَارِضَةُ النَّصِّ بِالرَّأْيِ، وَنَظِيرُ مَا عَارَضُوا بِهِ تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى الْمُذَكَّاةِ وَقَالُوا: تَأْكُلُونَ مَا قَتَلْتُمْ وَلَا تَأْكُلُونَ مَا قَتَلَ اللَّهُ، وَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: ١٢١] وَعَارَضُوا أَمْرَهُ بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ وَقَالُوا: إِنْ كَانَتِ الْقِبْلَةُ الْأَوْلَى حَقًّا فَقَدْ تَرَكْتَ الْحَقَّ، وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلًا فَقَدْ كُنْتَ عَلَى بَاطِلٍ، وَإِمَامُ هَؤُلَاءِ شَيْخُ الطَّرِيقَةِ إِبْلِيسُ عَدُوُّ اللَّهِ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ عَارَضَ أَمْرَ اللَّهِ بِعَقْلِهِ، وَزَعَمَ أَنَّ الْعَقْلَ يَقْتَضِي خِلَافَهُ.
وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مُعَارَضَةَ خَبَرِهِ بِالْعَقْلِ فَكَمَا حَكَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ مُنْكِرِي الْمَعَادِ: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: ٧٨] وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ عَارَضُوا مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنَ التَّوْحِيدِ بِعُقُولِهِمْ، وَعَارَضُوا أَخْبَارَهُ عَنِ النُّبُوَّاتِ بِعُقُولِهِمْ وَعَارَضُوا بَعْضَ الْأَمْثَالِ الَّتِي ضَرَبَهَا بِعُقُولِهِمْ، وَعَارَضُوا أَدِلَّةَ نُبُوَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُقُولِهِمْ فَقَالُوا: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: ٣١] وَأَنْتَ إِذَا صُغْتَ هَذِهِ الْمُعَارَضَةَ صَوْغًا مُزَخْرَفًا وَجَدْتَهَا مِنْ جِنْسِ مُعَارِضَةِ الْمَعْقُولِ لِلْمَنْقُولِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا - أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} [الفرقان: ٧ - ٨] أَيْ لَوْ كَانَ رَسُولًا لِخَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَمَا أَحْوَجَهُ أَنْ يَمْشِيَ بَيْنَنَا فِي الْأَسْوَاقِ فِي الْمَعِيشَةِ وَلَأَغْنَاهُ عَنْ أَكْلِ الطَّعَامِ وَلَأَرْسَلَ مَعَهُ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَوْ أَلْقَى إِلَيْهِ كَنْزًا يُغْنِيهِ عَنْ طَلَبِ الْكَسْبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute