للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نَحْمِلُهُ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ، وَهَذَا يَرْجِعُ عَلَى النَّصِّ بِالْإِبْطَالِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ أَتَى فِيهِ بِأَيِّ الشَّرْطِيَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَدَوَاتِ الْعُمُومِ وَأَتَى بِالنَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ وَهِيَ تَقْتَضِي الْعُمُومَ، وَعَلَّقَ بُطْلَانَ النِّكَاحِ بِالْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ لَهُ الْمُقْتَضِي لِوُجُودِ الْحُكْمِ بِوُجُودِهِ وَهُوَ إِنْكَاحُهَا نَفْسَهَا، فَرَتَّبَهُ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْبُطْلَانِ وَهُوَ افْتِئَاتُهَا عَلَى وَلِيِّهَا، وَأَكَّدَ الْحُكْمَ بِالْبُطْلَانِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَحَمْلُهُ عَلَى صُورَةٍ لَا تَقَعُ فِي الْعَالَمِ إِلَّا نَادِرًا يَرْجِعُ إِلَى مَقْصُودِ النَّصِّ بِالْإِبْطَالِ، وَأَنْتَ إِذَا تَأَمَّلْتَ عَامَّةَ تَأْوِيلَاتِ الْجَهْمِيَّةِ رَأَيْتَهَا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، بَلْ أَشْنَعَ.

الثَّامِنُ: تَأْوِيلُ اللَّفْظِ الَّذِي لَهُ ظَاهِرٌ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ سِوَاهُ إِلَّا بِالْمَعْنَى الْخَفِيِّ الَّذِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلَّا فُرَادَى مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالْكَلَامِ، كَتَأْوِيلٍ لَفْظِ الْأَحَدِ الَّذِي يَفْهَمُهُ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ بِالذَّاتِ الْمُجَرَّدَةِ عَنِ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا يَكُونُ فِيهَا مَعْنَيَانِ بِوَجْهٍ، فَإِنَّ هَذَا لَوْ أَمْكَنَ ثُبُوتُهُ فِي الْخَارِجِ لَمْ يُعْرَفْ إِلَّا بَعْدَ مُقَدِّمَاتٍ طَوِيلَةٍ صَعْبَةٍ جِدًّا فَكَيْفَ وَهُوَ مُحَالٌ فِي الْخَارِجِ وَإِنَّمَا يَفْرِضُهُ الذِّهْنُ فَرْضًا، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى وُجُودِ الْخَارِجِيِّ فَيَسْتَحِيلُ وَضْعُ اللَّفْظِ الْمَشْهُودِ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ لِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الْخَفَاءِ.

التَّاسِعُ: التَّأْوِيلُ الَّذِي يُوجِبُ تَعْطِيلَ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ غَايَةُ الْعُلُوِّ وَالشَّرَفِ وَيَحْمِلُهُ إِلَى مَعْنًى دُونَهُ بِمَرَاتِبَ، مِثَالُهُ تَأْوِيلُ الْجَهْمِيَّةِ: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: ١٨] وَنَظَائِرَهُ بِأَنَّهَا فَوْقِيَّةُ الشَّرَفِ، كَقَوْلِهِمْ: الدَّرَاهِمُ فَوْقَ الْمُفْلِسِ، فَعَطَّلُوا حَقِيقَةَ الْفَوْقِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِعَظَمَةِ الرَّبِّ تَعَالَى وَحَطُّوهَا إِلَى كَوْنِ قَدْرِهِ فَوْقَ قَدْرِ بَنِي آدَمَ، وَكَذَلِكَ تَأْوِيلُهُمُ اسْتِوَاءَهُ عَلَى عَرْشِهِ بِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ غَالِبٌ عَلَيْهِ.

فَيَالِلَّهِ الْعَجَبُ، هَلْ شَكَّ عَاقِلٌ فِي كَوْنِهِ غَالِبًا لِعَرْشِهِ قَادِرًا عَلَيْهِ حَتَّى يُخْبِرَ بِهِ سُبْحَانَهُ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ مُطَّرِدَةٍ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعٌ وَاحِدٌ يُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الَّذِي أَبْدَاهُ الْمُتَأَوِّلُونَ؟ وَهَذَا التَّمَدُّحُ وَالتَّعْظِيمُ كُلُّهُ لِأَجْلِ أَنْ يُعَرِّفَنَا أَنَّهُ غَلَبَ عَلَى عَرْشِهِ وَقَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؟ أَفْتَرَى لَمْ يَكُنْ غَالِبًا لِلْعَرْشِ قَادِرًا عَلَيْهِ فِي مُدَّةٍ تَزِيدُ عَنْ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ثُمَّ تَجَدَّدَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ خَلْقِ هَذَا الْعَالَمِ؟

الْعَاشِرُ: تَأْوِيلُ اللَّفْظِ بِمَعْنًى لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مِنَ السِّيَاقِ وَلَا قَرِينَةٌ تَقْتَضِيهِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَقْصِدُهُ الْمُبَيِّنُ الْهَادِي بِكَلَامِهِ، إِذْ لَوْ قَصَدَهُ لَحَفَّ بِالْكَلَامِ قَرَائِنَ تَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْمُخَالِفِ لِظَاهِرِهِ حَتَّى لَا يُوقِعَ السَّامِعَ فِي اللَّبْسِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ كَلَامَهُ بَيَانًا

<<  <   >  >>