للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلِهَذَا عَظُمَتْ بِهِمُ الْبَلِيَّةُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ بِانْتِسَابِهِمْ إِلَيْهِ، وَظُهُورِهِمْ فِي مَظْهَرٍ يَنْصُرُونَ بِهِ الْإِسْلَامَ، فَلَا لِلْإِسْلَامِ نَصَرُوا، وَلَا لِأَعْدَائِهِ كَسَرُوا، فَمَرَّةً يَقُولُونَ: هِيَ دَلَالَةٌ لَفْظِيَّةٌ مَعْزُولَةٌ عَنْ إِفَادَةِ الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ، وَمَرَّةً يَقُولُونَ: هِيَ مَجَازَاتٌ وَاسْتِعَارَاتٌ لَا حَقِيقَةَ لَهَا عِنْدَ الْعَارِفِينَ، وَمَرَّةً يَقُولُونَ: لَا سَبِيلَ إِلَى تَحْكِيمِهَا، وَلَا الْتِفَاتَ إِلَيْهَا، وَقَدْ عَارَضَهَا الْعَقْلُ وَقَوَاطِعُ الْبَرَاهِينِ، وَمَرَّةً يَقُولُونَ: أَخْبَارُ آحَادٍ فَلَا يُحْتَجُّ بِهَا فِي الْمَسَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ الَّتِي يُطْلَبُ مِنْهَا الْيَقِينُ، فَأَرْضَيْتُمْ بِذَلِكَ إِخْوَانَكُمْ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ أَعْدَاءِ الدِّينِ، فَهَذِهِ ثَمَرَةُ عُقُولِكُمْ وَحَاصِلُ مَعْقُولِكُمْ.

فَعَلَى عُقُولِكُمُ الْعَفَاءُ فَإِنَّكُمْ ... عَادَيْتُمُ الْمَعْقُولَ وَالْمَنْقُولَا

وَطَلَبْتُمُ أَمْرًا مُحَالًا، وَهُوَ إِدْ ... رَاكُ الْهُدَى لَا تَتْبَعُونَ رَسُولًا

وَزَعَمْتُمُ أَنَّ الْعُقُولَ كَفِيلَةٌ ... بِالْحَقِّ، أَيْنَ الْعَقْلُ كَانَ كَفِيلًا

وَهُوَ الَّذِي يَقْضِي فَيَنْقُضُ حُكْمَهُ ... عَقْلٌ، تَرَوْنَ كِلَيْهِمَا مَعْلُولًا

وَتَرَاهُ يَجْزِمُ بِالْقَضَاءِ وَبَعْدَ ذَا ... يَلْقَى لَدَيْهِ بَاطِلًا مَعْقُولًا

لَا يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ دُونَ هِدَايَةٍ ... بِالْوَحْيِ تَأْصِيلًا وَلَا تَفْصِيلًا

كَالطَّرْفِ دُونَ النُّورِ لَيْسَ بِمُدْرِكٍ ... حَتَّى تَرَاهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا

فَإِذَا الظَّلَامُ تَلَاطَمَتْ أَمْوَاجُهُ ... وَطَمِعْتَ بِالْإِبْصَارِ كُنْتَ مُحِيلًا

وَإِذَا النُّبُوَّةُ لَمْ يَنَلْكَ ضِيَاؤُهَا ... فَالْعَقْلُ لَا يَهْدِيكَ قَطُّ سَبِيلًا

نُورُ النُّبُوَّةِ مِثْلُ نُورِ الشَّمْسِ لِلْ ... عَيْنِ الْبَصِيرَةِ فَاتَّخِذْهُ دَلِيلًا

طُرُقُ الْهُدَى مَسْدُودَةٌ إِلَّا عَلَى ... مَنْ أَمَّ هَذَا الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَا

فَإِذَا عَدَلْتَ عَنِ الطَّرِيقِ تَعَمُّدًا ... فَاعْلَمْ بِأَنَّكَ مَا أَرَدْتَ وُصُولًا

يَا طَالِبًا دَرْكَ الْهُدَى بِالْعَقْلِ دُو ... نَ النَّقْلِ، لَنْ تَلْقَى لِذَاكَ دَلِيلًا

كَمْ رَامَ قَبْلَكَ ذَاكَ مِنْ مُتَلَدِّدٍ ... حَيْرَانَ عَاشَ مَدَى الزَّمَانِ جَهُولًا

مَازَالَتِ الشُّبُهَاتُ تَغْزُو قَلْبَهُ ... حَتَّى تَشَحَّطَ بَيْنَهُنَّ قَتِيلًا

فَتَرَاهُ بِالْكُلِّيِّ وَالْجُزْئِيِّ وَالذْ ... ذَاتِيِّ طُولَ زَمَانِهِ مَشْغُولًا

فَإِذَا أَتَاهُ الْوَحْيُ لَمْ يَأْبَهْ لَهُ ... وَيَقُومُ بَيْنَ يَدَي عِدَاهُ مَثِيلًا

وَيَقُولُ تِلْكَ أَدِلَّةٌ لَفْظِيَّةٌ ... مَعْزُولَةٌ عَنْ أَنْ تَكُونَ دَلِيلًا

وَإِذَا تَمُرُّ عَلَيْهِ قَالَ لَهَا اذْهَبِي ... نَحْوَ الْمُجَسِّمِ أَوْ خُذِي التَّأْوِيلَا

<<  <   >  >>