للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَاسْتِدْعَاءَهُمْ لِزِيَارَتِهِ، وَسَلَامَهُ عَلَيْهِمْ سَلَامًا حَقِيقِيًّا {قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: ٥٨] وَاسْتِمَاعَهُ وَأُذُنَهُ لِحُسْنِ الصَّوْتِ إِذَا تَلَا كَلَامَهُ، وَخَلْقَهُ مَا يَشَاءُ بِيَدِهِ، وَكِتَابَتَهُ كَلَامَهُ بِيَدِهِ، وَيَصِفُهُ بِالْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْحَيَاءِ، وَقَبْضِ السَّمَاوَاتِ وَطَيِّهَا بِيَدِهِ وَالْأَرْضِ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، وَوَضْعِهِ السَّمَاوَاتِ عَلَى أُصْبُعٍ وَالْأَرْضِ عَلَى أُصْبُعٍ وَالْجِبَالِ عَلَى أُصْبُعٍ وَالشَّجَرِ عَلَى أُصْبُعٍ، إِلَى أَضْعَافِ ذَلِكَ مِمَّا إِذَا سَمِعَهُ الْمُعَطِّلَةُ سَبَّحُوا اللَّهَ وَنَزَّهُوهُ جُحُودًا وَإِنْكَارًا، لَا إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا، كَمَا ضَحِكَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لِقَائِلِهِ وَمَا شَهِدَ لِقَائِلِهِ بِالْإِيمَانِ شَهِدَ لَهُ هَؤُلَاءِ بِالْكُفْرِ وَالضَّلَالِ، وَمَا أَوْصَى بِتَبْلِيغِهِ إِلَى الْأُمَّةِ وَإِظْهَارِهِ، يُوصِي هَؤُلَاءِ بِكِتْمَانِهِ وَإِخْفَائِهِ، وَمَا أَطْلَقَهُ عَلَى رَبِّهِ لِئَلَّا يُطْلَقَ عَلَيْهِ ضِدُّهُ وَنَقِيضُهُ، يُطْلِقُ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ ضِدَّهُ وَنَقِيضَهُ، وَمَا نَزَّهَ رَبَّهُ عَنْهُ مِنَ الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ، يُمْسِكُونَ عَنْ تَنْزِيهِهِ عَنْهُ، وَإِنِ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ، وَيُبَالِغُونَ فِي تَنْزِيهِهِ عَمَّا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، فَتَرَاهُمْ يُبَالِغُونَ أَعْظَمَ الْمُبَالَغَةِ فِي تَنْزِيهِهِ عَنِ اسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ وَبِعُلُوِّهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَتَكَلُّمِهِ بِالْقُرْآنِ حَقِيقَةً، وَإِثْبَاتِ الْوَجْهِ وَالْيَدِ وَالْعَيْنِ لَهُ، مَا لَا يُبَالِغُونَ مِثْلَهُ وَلَا قَرِيبًا مِنْهُ فِي تَنْزِيهِهِ عَنِ الظُّلْمِ وَالْعَبَثِ ; وَالْفِعْلِ لَا لِحِكْمَةٍ، وَالتَّكَلُّمِ بِمَا ظَاهِرُهُ ضَلَالٌ وَمُحَالٌ، وَتَرَاهُمْ إِذَا أَثْبَتُوا مُجْمَلًا لَا تَعْرِفُهُ الْقُلُوبُ وَلَا تُمَيِّزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدَمِ ; وَإِذَا نَفَوْا نَفَوْا نَفْيًا مُفَصَّلًا يَتَضَمَّنُ تَعْطِيلَ مَا أَثْبَتَهُ الرَّسُولُ حَقِيقَةً.

فَهَذَا وَأَضْعَافُ أَضْعَافِهِ مِنْ لَوَازِمِ قَوْلِ الْمُعَطِّلَةِ، وَمِنْ لَوَازِمِهِ أَنَّ الْقُلُوبَ لَا تُحِبُّهُ وَلَا تُرِيدُهُ وَلَا تَبْتَهِجُ لَهُ وَلَا تَشْتَاقُ إِلَيْهِ، وَلَا تَلْتَذُّ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ فِي دَارِ النَّعِيمِ، صَرَّحُوا بِذَلِكَ كُلِّهِ، وَقَالُوا: هَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِالْمُحْدَثِ لَا بِالْقَدِيمِ، قَالُوا: وَإِرَادَتُهُ وَمَحَبَّتُهُ مُحَالٌ، لِأَنَّ الْإِرَادَةَ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَعْدُومِ لَا بِالْمَوْجُودِ، وَالْمَحَبَّةُ إِنَّمَا تَكُونُ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الْمُحِبِّ وَالْمَحْبُوبِ وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ.

وَمِنْ لَوَازِمِهِ أَعْظَمُ الْعُقُوقِ لِأَبِيهِمْ آدَمَ، فَإِنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْهُ بِيَدِهِ، فَقَالُوا: إِنَّمَا خَلَقَهُ بِقُدْرَتِهِ، فَلَمْ يَجْعَلُوا لَهُ مَزِيَّةً عَلَى إِبْلِيسَ فِي خَلْقِهِ، وَمِنْ لَوَازِمِهِ بَلْ صَرَّحُوا بِهِ جَحْدُهُمْ خُلَّةَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، وَقَالُوا: هِيَ حَاجَتُهُ وَفَقْرُهُ وَفَاقَتُهُ إِلَى اللَّهِ، فَلَمْ يُثْبِتُوا لَهُ بِذَلِكَ مَزِيَّةً عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ، إِذْ كَلُّ أَحَدٍ فَقِيرٌ إِلَى اللَّهِ بِالذَّاتِ وَإِنْ غَابَ شُعُورُهُ بِفَقْرِهِ عَنْ قَلْبِهِ أَحْيَانًا، فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ فَقِيرٌ إِلَيْهِ فِي كُلِّ نَفَسٍ وَطَرْفَةِ عَيْنٍ، وَمِنْ لَوَازِمِهِ بَلْ صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، وَإِنَّمَا خَلَقَ كَلَامًا

<<  <   >  >>