الْقَوْلِ أَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَزَلْ مُمْتَنِعًا مِنْهُ أَزَلًا وَأَبَدًا، إِذْ يَسْتَحِيلُ قِيَامُهُ بِهِ، وَعَنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ قَالَ جَهْمٌ وَمَنْ وَافَقَهُ بِفَنَاءِ الْجَنَّةِ وَفَنَاءِ أَهْلِهَا وَعَدَمِهِمْ عَدَمًا مَحْضًا، وَعَنْهَا قَالَ أَبُو الْهُذَيْلِ الْعَلَّافُ بِفَنَاءِ حَرَكَاتِهِمْ دُونَ ذَاتِهِمْ، فَإِذَا رَفَعَ اللُّقْمَةَ إِلَى فِيهِ وَفَنِيَتِ الْحَرَكَاتُ بَقِيَتْ يَدُهُ مَمْدُودَةً لَا تَتَحَرَّكُ وَيَبْقَى كَذَلِكَ أَبَدَ الْآبِدِينَ، وَعَنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ قَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ: إِنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ بِذَاتِهِ، وَقَالَ إِخْوَانُهُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَالَمِ، وَلَا خَارِجَ الْعَالَمِ، وَلَا مُتَّصِلًا بِهِ، وَلَا مُنْفَصِلًا عَنْهُ وَلَا مُبَايِنًا لَهُ وَلَا مُحَايِثًا لَهُ، وَلَا فَوْقَهُ وَلَا خَلْفَهُ، وَلَا أَمَامَهُ، وَلَا وَرَاءَهُ، وَعَنْهَا قَالَ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَا نُشَاهِدُهُ عَنِ الْأَعْرَاضِ الثَّابِتَةِ كَالْأَلْوَانِ وَالْمَقَادِيرِ وَالْأَشْكَالِ تَتَبَدَّلُ فِي كُلِّ نَفَسٍ وَلَحْظَةٍ وَيَخْلُفُهَا غَيْرُهَا، حَتَّى قَالَ مَنْ قَالَ: إِنَّ الرُّوحَ عَرَضٌ وَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَسْتَحْدِثُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ عِدَّةَ أَرْوَاحٍ، تَذْهَبُ لَهُ رُوحٌ وَيَجِيءُ غَيْرُهَا، وَعَنْهَا قَالَ مَنْ قَالَ: إِنَّ جِسْمَ أَنْتَنِ الرَّجِيعِ وَأَخْبَثِهِ مُمَاثِلٌ لِجِسْمِ أَطْيَبَ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ، لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِأَمْرٍ عَرَضِيٍّ، وَأَنَّ جِسْمَ النَّارِ مُسَاوٍ لِجِسْمِ الْمَاءِ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ، وَعَنْهَا قَالُوا: إِنَّ الرَّوَائِحَ وَالْأَصْوَاتَ وَالْمَعَارِفَ وَالْعُلُومَ تُؤْكَلُ وَتُشْرَبُ وَتُرَى وَتُسْمَعُ وَتُلْمَسُ، وَأَنَّ الْحَوَاسَّ الْخَمْسَ تَتَعَلَّقُ بِكُلِّ مَوْجُودٍ، وَعَنْهَا نَفَوْا عَنْهُ تَعَالَى الرِّضَى وَالْغَضَبَ وَالْمَحَبَّةَ وَالرَّحْمَةَ، وَالرَّأْفَةَ وَالضَّحِكَ وَالْفَرَحَ، بَلْ ذَلِكَ كُلُّهُ إِرَادَةٌ مَحْضَةٌ أَوْ ثَوَابٌ مُنْفَصِلٌ مَخْلُوقٌ، وَعَنْهَا قَالُوا: إِنَّ الْكَلَامَ مَعْنًى وَاحِدٌ بِالْعَيْنِ، لَا يَنْقَسِمُ وَلَا يَتَبَعَّضُ، وَلَا لَهُ جُزْءٌ وَلَا كُلٌّ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِكُلِّ شَيْءٍ مَأْمُورٍ، وَالنَّهْيُ عَنْ كُلِّ مُخْبَرٍ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي الْعِلْمِ: إِنَّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ، فَالْعَالِمُ بِوُجُودِ الشَّيْءِ هُوَ عَيْنُ الْعَالِمِ بِعَدَمِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا الْبَتَّةَ بِالتَّعَلُّقِ، وَكَذَلِكَ قَالُوا: إِنَّ إِرَادَةَ إِيجَادِ الشَّيْءِ هِيَ نَفْسُ إِرَادَةِ إِعْدَامِهِ لَيْسَ هُنَا إِرَادَةٌ، كَذَلِكَ رُؤْيَةُ زَيْدٍ هِيَ نَفْسُ رُؤْيَةِ عَمْرٍو، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَا يُعْقَلُ، بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْعَقْلِ.
وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا بِهَا فِي الْحَقِيقَةِ صَانِعًا وَلَا صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ وَلَا فِعْلًا مِنْ أَفْعَالِهِ وَلَا نُبُوَّةً وَلَا مَبْدَأً وَلَا مَعَادًا وَلَا حِكْمَةً، بَلْ هِيَ مُسْتَلْزَمَةٌ لِنَفْيِ ذَلِكَ كُلِّهِ صَرِيحًا وَلُزُومًا بَيِّنًا.
وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَامُوا إِثْبَاتَ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ وَمُوَافَقَتَهُمْ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ، فَتَجَشَّمُوا أَمْرًا مُمْتَنِعًا وَاشْتَقُّوا طَرِيقَةً لَمْ يُمْكِنْهُمُ الْوَفَاءُ بِهَا، فَجَاءُوا بِطَرِيقٍ بَيِّنِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ لَمْ يُوَافِقْهُمْ فِيهَا الْمُعَطِّلَةُ النُّفَاةُ، وَلَمْ يَسْلُكُوا فِيهَا مَسْلَكَ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ بِذَلِكَ يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ، وَيَصِلُونَ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ إِلَى تَصْدِيقِ الرَّسُولِ، وَصَارَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute