للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَكُمْ: فَمَاهِيَّتُهُ وَذَاتُهُ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ بَلْ ذَاهِبَةٌ فِي الْأَبْعَادِ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ أَمْ مُتَنَاهِيَةٌ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَوَّلِ لَزِمَ مِنْهُ مُحَالَاتٌ غَيْرُ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ قُلْتُمْ بِالثَّانِي بَطَلَ الْمُبَايَنَةُ وَالْجِهَةُ، وَهَذَا لَا مَحِيدَ عَنْهُ، وَإِنْ قُلْتُمْ: لَا نَقُولُ لَهُ مَاهِيَّةٌ وَلَا لَيْسَتْ لَهُ مَاهِيَّةٌ قِيلَ: لَا يَلِيقُ بِالْعُقُولِ الْمُخَالِفَةِ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ إِلَّا هَذَا الْمُحَالُ وَالْبَاطِلُ، وَإِنْ قُلْتُمْ: بَلْ لَهُ ذَاتٌ مَخْصُوصَةٌ وَمَاهِيَّةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ سَائِرِ الْمَاهِيَّاتِ وَلَا غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ، لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ وَاحِدًا مِنَ الْأَمْرَيْنِ، وَقِيلَ: يَتَقَابَلَانِ تَقَابُلَ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ، فَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، وَالْقِدَمِ وَالْحُدُوثِ، وَالسَّبْقِ وَالْمُقَارَنَةِ، وَالْقِيَامِ بِالنَّفْسِ وَالْقِيَامِ بِالْغَيْرِ، وَتَقْدِيرُ قِسْمٍ آخَرَ لَا يَقْبَلُ وَاحِدًا مِنَ الْأَمْرَيْنِ تَقْدِيرٌ ذِهْنِيٌّ يَفْرِضُهُ الذِّهْنُ كَمَا يَفْرِضُ سَائِرَ الْمُحَالَاتِ، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى وُجُودِهِ فِي الْخَارِجِ وَلَا إِمْكَانَهُ، قَالَ: التَّقْسِيمُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَعْلُومَ إِمَّا قَدِيمٌ وَإِمَّا حَادِثٌ، وَإِمَّا لَا قَدِيمٌ وَلَا حَادِثٌ، كَانَ التَّقْسِيمُ ذِهْنِيًّا لَا خَارِجِيًّا، وَإِنَّ سَلْبَ النَّقِيضِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْإِحَالَةِ كَإِثْبَاتِ النَّقِيضَيْنِ؟

فَصْلٌ: يُقَالُ: ذَاتُهُ سُبْحَانَهُ ; إِمَّا أَنْ تَكُونَ قَابِلَةَ الْعُلُوِّ عَلَى الْعَالَمِ، أَوْ لَا تَكُونُ قَابِلَةً، فَإِنْ كَانَتْ قَابِلَةً وَجَبَ وُجُودُ الْقَبُولِ لِأَنَّهُ صِفَةُ كَمَالٍ، لِأَنَّ قَبُولَهَا لِذَلِكَ هُوَ مِنْ لَوَازِمِهَا، كَقَبُولِ الذَّاتِ لِلْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ وَالسَّمْعِ، فَوَجَدُوا هَذَا إِلْزَامًا لِلذَّاتِ ضَرُورَةً، وَلِأَنَّهَا إِذْ قَبِلَتْهُ فَلَوْ لَمْ تَتَّصِفْ بِهِ لَاتَّصَفَتْ بِضِدِّهِ، وَهُوَ نَقْصٌ يَتَعَالَى اللَّهُ وَيَتَقَدَّسُ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَابِلَةً لِلْعُلُوِّ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَابِلُ الْعُلُوِّ أَكْمَلَ مِنْهَا، لِأَنَّ مَا يَقْبَلُ أَنْ يَكُونَ عَالِيًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِيًا أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ الْعُلُوَّ وَمَا قَبِلَهُ وَكَانَ عَالِيًا أَكْمَلَ مِمَّنْ قَبِلَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَالِيًا، فَالْمَرَاتِبُ ثَلَاثَةٌ: أَدْنَاهَا مَا لَا يَقْبَلُ الْعُلُوَّ وَأَعْلَاهَا مَا قَبِلَهُ وَاتَّصَفَ بِهِ، وَالَّذِي يُوَضِّحُ ذَلِكَ: أَنَّ مَا لَا يَقْبَلُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ غَيْرِهِ وَلَا عَالِيًا عَلَيْهِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَرَضًا مِنَ الْأَعْرَاضِ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَقْبَلُ أَنْ يَكُونَ عَالِيًا عَلَى غَيْرِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا عَدَمِيًّا لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ، وَأَمَّا إِثْبَاتُ ذَاتٍ قَائِمَةٍ بِنَفْسِهَا مُتَّصِفَةٍ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْقُدْرَةِ وَالْحَيَاةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْعِلْمِ وَالْفِعْلِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَقْبَلُ أَنْ تَكُونَ عَالِيَةً عَلَى غَيْرِهَا، فَهَذَا بِإِمْكَانٍ تَصَوُّرُهُ قَبْلَ التَّصْدِيقِ بِوُجُودِهِ وَلَيْسَ مَعَ مَنِ ادَّعَى إِمْكَانَهُ إِلَّا الْكُلِّيَّاتِ، وَكِلَاهُمَا وُجُودُهُ ذِهْنِيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ وَإِلَّا فَمَا لَهُ وُجُودٌ

<<  <   >  >>