لِتَضَمُّنِهِ كَمَالَ غِنَاهُ وَتَفَرُّدِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَأَنَّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَبِيدٌ لَهُ، وَكَذَلِكَ نَفْيُ الْكُفْءِ وَالسَّمِيِّ وَالْمَثْلِ عَنْهُ كَمَالٌ، لِأَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ ثُبُوتَ جَمِيعِ أَوْصَافِ الْكَمَالِ لَهُ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ وَاسْتِحَالَةِ مُشَارِكٍ لَهُ فِيهَا.
فَالَّذِينَ يَصِفُونَهُ بِالسُّلُوبِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْفَلَاسِفَةِ لَمْ يَعْرِفُوهُ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي عَرَفَتْهُ بِهِ الرُّسُلُ وَعَرَفُوهُ بِهِ إِلَى الْخَلْقِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الَّذِي يُحْمَدُ بِهِ وَيُعْرَفُ بِهِ عَظَمَتُهُ وَجَلَالُهُ، وَإِنَّمَا عَرَفُوهُ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَقُودُهُمْ إِلَى تَعْطِيلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْإِيمَانِ بِهِ لِعَدَمِ اعْتِقَادِهِمُ الْحَقَّ، وَحَقِيقَةُ أَمْرِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا لِلَّهِ عَظَمَةً إِلَّا مَا تَخَيَّلُوهُ فِي نُفُوسِهِمْ مِنَ السُّلُوبِ وَالنَّفْيِ الَّذِي لَا عَظَمَةَ فِيهِ وَلَا مَدْحَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ كَمَالًا، بَلْ مَا أَثْبَتُوهُ مُسْتَلْزِمٌ لِنَفْيِ ذَاتِهِ رَأْسًا.
وَأَمَّا الصِّفَاتِيَّةُ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِبَعْضٍ وَيَجْحَدُونَ بَعْضًا، فَإِذَا أَثْبَتُوا عِلْمًا، وَقُدْرَةً وَإِرَادَةً، وَغَيْرَهَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ إِثْبَاتُ ذَاتٍ تَقُومُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، وَتَتَمَيَّزُ بِحَقِيقَتِهَا وَمَاهِيَّتِهَا: سَوَاءٌ سَمَّوْهُ قَدْرًا أَوْ لَمْ يُسَمُّوهُ، فَإِنْ لَمْ يُثْبِتُوا ذَاتًا مُتَمَيِّزَةً بِحَقِيقَتِهَا وَمَاهِيَّتِهَا كَانُوا قَدْ أَثْبَتُوا صِفَاتٍ بِلَا ذَاتٍ كَمَا أَثْبَتَ إِخْوَانُهُمْ ذَاتًا بِغَيْرِ صِفَاتٍ، وَأَثْبَتُوا أَسْمَاءً بِلَا مَعَانٍ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْعُقُولِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِ ذَاتٍ مُحَقَّقَةٍ لَهَا الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، وَإِلَّا فَأَسْمَاءٌ فَارِغَةٌ لَا مَعْنَى لَهَا لَا تُوصَفُ بِحُسْنٍ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهَا أَحْسَنَ مِنْ غَيْرِهَا يُوَضِّحُهُ: الْوَجْهُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَرَنَ بَيْنَ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ الدَّالَّيْنِ عَلَى عُلُوِّهِ وَعَظَمَتِهِ فِي آخِرِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَفِي سُورَةِ الشُّورَى، وَفِي سُورَةِ الرَّعْدِ، وَفِي سُورَةِ سَبَأٍ فِي قَوْلِهِ: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: ٢٣] فَفِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ ذَكَرَ الْحَيَاةَ الَّتِي هِيَ أَصْلُ جَمِيعِ الصِّفَاتِ، وَذَكَرَ مَعَهَا قَيُّومِيَّتَهُ الْمُقْتَضِيَةَ لِدَوَامِهِ وَبَقَائِهِ، وَانْتِفَاءِ الْآفَاتِ جَمِيعِهَا عَنْهُ مِنَ النَّوْمِ وَالسِّنَةِ وَالْعَجْزِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ كَمَالَ مُلْكِهِ، ثُمَّ عَقَبَهُ بِذِكْرِ وَحْدَانِيَّتِهِ فِي مُلْكِهِ وَأَنَّهُ لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ سَعَةَ عِلْمِهِ وَإِحَاطَتِهِ، ثُمَّ عَقَبَهُ بِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِلْخَلْقِ إِلَى عِلْمِ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا بَعْدَ مَشِيئَتِهِ لَهُمْ أَنْ يَعْلَمُوهُ، ثُمَّ ذَكَرَ سَعَةَ كُرْسِيِّهِ مُنَبِّهًا بِهِ عَلَى سَعَتِهِ سُبْحَانَهُ وَعَظْمَتِهِ وَعُلُوِّهِ، وَذَلِكَ تَوْطِئَةٌ بَيْنَ يَدَيْ عُلُوِّهِ وَعَظَمَتِهِ ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ كَمَالِ اقْتِدَارِهِ وَحِفْظِهِ لِلْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute