وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» ".
وَكَانَ يَسْتَغْفِرُ فِي اسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ وَفِي خَاتِمَةِ الصَّلَاةِ، وَعَلَّمَ أَفْضَلَ الْأُمَّةِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ فِي صَلَاتِهِ وَيَعْتَرِفَ عَلَى نَفْسِهِ بِظُلْمٍ كَثِيرٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: ١٩] ، وَقَالَ: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: ٢] فَأَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مُحْتَاجُونَ إِلَى مَغْفِرَتِهِ كَمَا هُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَى رَحْمَتِهِ، وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَنْ مَغْفِرَةِ اللَّهِ فَهُوَ كَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ رَحْمَتِهِ فَلَا يَسْتَغْنِي أَحَدٌ عَنْ مَغْفِرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، كَمَا لَا يَسْتَغْنِي عَنْ نِعْمَتِهِ وَمِنَّتِهِ، فَلَوْ أَمْسَكَ عَنْهُمْ فَضْلَهُ وَمِنَّتَهُ وَرَحْمَتَهُ لَهَلَكُوا وَعُذِّبُوا، وَلَمْ يَكُنْ ظَالِمًا، وَحِينَئِذٍ فَتُصِيبُهُمُ النَّقَمَاتُ بِإِمْسَاكِ فَضْلِهِ، وَكُلُّ نِقْمَةٌ مِنْهُ عَدْلٌ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ الظُّلْمَ يُقَدَّسُ عَنْهُ، أَنْ يُعَاقِبَهُمْ بِمَا لَمْ يَعْلَمُوا وَيَمْنَعْهُمْ ثَوَابَ مَا يَسْتَحِقُّونَ ثَوَابَهُ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ لَا يُعَذِّبُ إِلَّا بِسَبَبٍ كَمَا إِذَا أَرَادَ تَعْذِيبَ الْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينَ وَمَنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ حُجَّتُهُ فِي الدُّنْيَا امْتَحَنَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، فَعَذَّبَ مَنْ عَصَاهُ مِنْهُمْ بِأَسْبَابٍ أَظْهَرُهَا بِالِامْتِحَانِ كَمَا أَظْهَرُ امْتِحَانِ إِبْلِيسَ سَبَبُ عُقُوبَتِهِ، فَلَوْ أَرَادَ تَعْذِيبَ أَهْلِ سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضِهِ كُلِّهِمْ لَامْتَحَنَهُمُ امْتِحَانًا يُظْهِرُ أَسْبَابَ تَعْذِيبِهِمْ فَيَكُونُ عَدْلًا مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَعْلَمُ مِنَ الْعَبْدِ مَا لَا يَعْلَمُهُ الْعَبْدُ مِنْ نَفْسِهِ.
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَقَدْ دَخَلُوا النَّارَ وَإِنَّ حَمْدَهُ لَفِي قُلُوبِهِمْ، مَا وَجَدُوا عَلَيْهِ سَبِيلًا، وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُرْسَلِينَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَقَدْ طَلَبُوا كُلُّهُمْ مِنْهُ الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ، فَقَالَ أَوَّلُ الْأَنْبِيَاءِ وَأَبُو الْبَشَرِ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: ٢٣] فَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَتَهُ، وَأَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ وَعَلَّمَهُ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، وَإِنَّمَا انْتَفَعَ فِي الْمِحْنَةِ بِاعْتِرَافِهِ وَإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالظُّلْمِ وَسُؤَالِهِ الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ، وَهَذَا نُوحٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute