ثُمُنِي، وَقَدْ بَقِيَتَ الذُّنُوبُ وَالنِّعَمُ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ خَيْرًا قَالَ: ابْنَ آدَمَ، ضَعَّفْتَ حَسَنَاتِكَ وَتَجَاوَزْتُ عَنْ سَيِّئَاتِكَ، وَوَهَبْتُ لَكَ نِعْمَتِي فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ الْأَمْرَ أَنَّ مِنْ حَقِّ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ أَنْ يَرْضَى بِهِ رَبَّهُ وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَهَذَا الرِّضَى يَقْتَضِي رِضَاهُ بِرُبُوبِيَّتِهِ لَهُ فِي كُلِّ مَا يَقْضِيهِ وَيُقَدِّرُهُ عَلَيْهِ فِي عَطَائِهِ لَهُ وَمَنْعِهِ، وَفِي قَبْضِهِ وَبَسْطِهِ، وَرِضَاهُ بِالْإِسْلَامِ دِينًا يُوجِبُ عَلَيْهِ رِضَاهُ بِهِ وَعَنْهُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ وَيَنْهَاهُ عَنْهُ، وَيُحِبُّهُ مِنْهُ وَيَكْرَهُهُ لَهُ، فَلَا يَكُونُ فِي صَدْرِهِ مِنْ ذَلِكَ حَرَجٌ بِوَجْهٍ مَا، وَرِضَاهُ بِمُحَمَّدٍ رَسُولًا يُوجِبُ أَنْ يَرْضَى بِحُكْمِهِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَأَنْ يُسَلِّمَ لِذَلِكَ وَيَنْقَادَ لَهُ وَلَا يُقَدِّمَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ حُبُّهُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَبُغْضُهُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَعَطَاؤُهُ لِلَّهِ وَمَنْعُهُ لِلَّهِ، وَفِعْلُهُ لِلَّهِ وَتَرْكُهُ لِلَّهِ، وَإِذَا قَامَ بِذَلِكَ كَانَتْ نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ عَمِلَهُ، بَلْ فِعْلُهُ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ، حَيْثُ وَفَّقَهُ لَهُ وَيَسَّرَهُ لَهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ وَجَعَلَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَحَضَّهُ بِهِ، فَهُوَ يَسْتَوْجِبُ شُكْرًا آخَرًا عَلَيْهِ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى الْقِيَامِ فِيمَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنَ الشُّكْرِ أَبَدًا، فَنِعَمُ اللَّهِ تُطَالِبُهُ بِالشُّكْرِ، وَأَعْمَالُهُ لَا يَقْبَلُهَا وَذُنُوبُهُ وَغَفْلَتُهُ وَتَقْصِيرُهُ قَدْ يَسْتَنْفِدُ عَمَلَهُ، فَدِيوَانُ النِّعَمَ وَدِيوَانُ الذُّنُوبِ يَسْتَنْفِدَانِ طَاعَاتِهِ كُلَّهَا، هَذَا، وَأَعْمَالُ الْعَبْدِ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ بِمُقْتَضِ كَوْنِهِ عَبْدًا مَمْلُوكًا مُسْتَعْمَلًا فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ سَيِّدُهُ، فَنَفْسُهُ مَمْلُوكَةٌ وَأَعْمَالُهُ مُسْتَحَقَّهٌ عَلَيْهِ بِمُوجِبِ الْعُبُودِيَّةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ ثَوَابًا وَلَا جَزَاءً، فَلَوْ أَمْسَكَ الثَّوَابَ وَالْجَزَاءَ الَّذِي يَتَنَعَّمُ بِهِ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا، فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدْ فَعَلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِحَقِّ كَوْنِهِ عَبْدًا، وَمَنْ لَمْ يُحْكِمْ هَذَا الْمَوْضِعَ فَإِنَّهُ عِنْدَ الذُّنُوبِ وَعُقُوبَاتِهَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنَ الْأَقْوَالِ مَا يَكُونُ فِيهَا أَوْ فِي بَعْضِهَا خَصْمًا لِلَّهِ مُتَظَلِّمًا مِنْهُ شَاكِيًا لَهُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَوْ حُرِّكَتِ النُّفُوسُ لَرَأَيْتَ الْعَجَبَ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَادِلٌ، لَوْ عَمَّ أَهَّلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِالْعَذَابِ لَكَانَ عَادِلًا، فَهُوَ إِنَّمَا يُنْزِلُ الْعَذَابَ بِسَبَبِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ مِنْهُمْ ثُمَّ يَعُمُّ الْعَذَابَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute