للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَإِنْ قُلْتُمْ: بَلْ إِنْ عَلِمْنَا أَنَّ أَحَدَهُمَا حَقِيقَةٌ عَلِمْنَا أَنَّ الْآخَرَ الَّذِي خَالَفَهُ فِي صِفَةِ جَمْعِهِ مَجَازٌ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ اعْتِبَارُ مُخَالَفَةِ الْجَمْعِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، فَإِنَّا مَتَى عَلِمْنَا كَوْنَ أَحَدِهِمَا حَقِيقَةً، وَأَنَّهُ لَيْسَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ مَجَازًا، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إِنْ تَوَقَّفَ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ الْجَمْعِ لَمْ يَكُنْ مُعَرَّفًا، وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مُعَرَّفًا، فَلَا يَحْصُلُ بِهِ التَّفْرِيقُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ رَأْسَ مَالِكُمْ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ هُوَ لَفْظُ أَوَامِرَ، وَأُمُورٍ، فَادَّعَيْتُمْ أَنَّ أَوَامِرَ جَمْعُ أَمْرِ الْقَوْلِ، وَأُمُورَ جَمْعُ أَمْرِ الْفِعْلِ، وَغَرَّكُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ فِي الصِّحَاحِ: تَقُولُ: أَمَرْتُهُ أَمْرًا وَجَمْعُهُ أَوَامِرَ، وَهَذَا مِنْ إِحْدَى غَلَطَاتِهِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُعْرَفُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ، وَفَعْلٌ لَهُ جُمُوعٌ عَدِيدَةٌ لَيْسَ مِنْهَا فَوَاعِلُ الْبَتَّةَ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ طُرُقُ الْمُتَكَلِّمِينَ لِتَصْحِيحِ ذَلِكَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: جَمَعُوا أَمْرًا عَلَى أَأْمُرٍ كَأَفْلُسٍ، ثُمَّ جَمَعُوا هَذَا الْجَمْعَ عَلَى أَفَاعِلَ لَا فَوَاعِلَ، فَكَانَ أَصْلُهَا أَأْمِرٌ فَقَلَبُوا الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ وَاوًا كَرَاهِيَةَ النُّطْقِ بِالْهَمْزَتَيْنِ، فَصَارَ فِي هَذَا أَوَامِرُ، وَفِي هَذَا مِنَ التَّكَلُّفِ وَدَعْوَى مَا لَمْ تَنْطِقْ بِهِ الْعَرَبُ عَلَيْهِمْ مَا فِيهِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُمْ أَأْمُرٌ عَلَى أَفْعُلٍ الْبَتَّةَ، وَلَا أَوَامِرُ أَيْضًا فَلَمْ يَنْطِقُوا بِهَذَا وَلَا هَذَا.

وَلَمَّا عَلِمَ هَؤُلَاءِ أَنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ فِي النَّوَاهِي تَكَلَّفُوا لَهَا تَكَلُّفًا آخَرَ، فَقَالُوا: حَمَلُوهَا عَلَى نَقِيضِهَا، كَمَا قَالُوا: الْغَدَايَا وَالْعَشَايَا، وَقَالُوا: قَدُمَ وَحَدُثَ، فَضَمُّوا الدَّالَ مِنْ حَدُثَ حَمَلًا عَلَى قَدُمَ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: بَلْ أَوَامِرُ وَنَوَاهٍ جَمْعُ آمِرٍ وَنَاهٍ، فَسُمِّيَ الْقَوْلُ آمِرًا وَنَاهِيًا تَوَسُّعًا ثُمَّ جَمَعُوهَا عَلَى فَوَاعِلَ، كَمَا قَالُوا: فَارِسٌ وَفَوَارِسُ، وَهَالِكٌ وَهَوَالِكُ، وَهَذَا أَيْضًا مُتَكَلَّفٌ، فَإِنَّ فَاعِلًا نَوْعَانِ: صِفَةٌ وَاسْمٌ، فَإِنْ كَانَ صِفَةً لَا يُجْمَعُ عَلَى فَوَاعِلَ فَلَا يُقَالُ: قَائِمٌ وَقَوَائِمُ، وَآكِلٌ وَأَوَاكِلُ، وَضَارِبٌ وَضَوَارِبُ، وَعَابِدٌ وَعَوَابِدُ، وَإِنْ كَانَ اسْمًا فَإِنَّهُ يُجْمَعُ عَلَى فَوَاعِلَ نَحْوَ خَاتَمٍ وَخَوَاتِمَ، وَقَدْ شَذَّ فَارِسٌ وَفَوَارِسُ، وَهَالِكٌ وَهَوَالِكُ، فَجُمِعَا عَلَى فَوَاعِلَ مَعَ كَوْنِهِمَا صِفَتَيْنِ، أَمَّا فَارِسٌ فَلِعَدَمِ اللَّبْسِ لِأَنَّهُ لَا يَتَّصِفُ بِهِ الْمُؤَنَّثُ، وَأَمَا هَالِكٌ فَقَصَدُوا النَّفْسَ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ جَمْعُ هَالِكَةٍ، فَإِنَّهُ فَاعِلَةٌ يُجْمَعُ عَلَى فَوَاعِلَ بِالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ كَفَاطِمَةَ وَفَوَاطِمَ، وَعَابِدَةٍ وَعَوَابِدَ، فَسَمِعَتْ هَذَا طَائِفَةٌ أُخْرَى قَالَتْ: أَوَامِرُ وَنَوَاهٍ جَمْعُ آمِرَةٍ وَنَاهِيَةٍ، أَيْ كَلِمَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ آمِرَةٍ وَنَاهِيَةٍ.

وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْعَرَبَ سَكَتَتْ عَنْ جَمْعِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَلَمْ يَنْطِقُوا لَهُمَا بِجَمْعٍ لِأَنَّهَا فِي

<<  <   >  >>