مَفْهُومِهِ، حَتَّى يَكُونَ اسْتِعْمَالُهُ فِي ذَلِكَ اسْتِعْمَالًا لَهُ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ، وَلَمْ تَتَكَلَّمْ بِلَفْظِ فَمٍ وَظَهْرٍ وَرَأْسٍ مُفْرَدًا مُجَرَّدًا عَنْ جَمِيعِ الْإِضَافَاتِ، فَتَكُونُ إِضَافَتُهُ مَجَازًا فِي جَمِيعِ مَوَادِّهَا، وَلَمْ تَضَعْهُ لِمُضَافٍ إِلَيْهِ مُعَيَّنٍ يَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ ثُمَّ وَضَعَتْهُ لِغَيْرِهِ وَضْعًا ثَانِيًا، فَأَيْنَ مَحَلُّ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمُقَيَّدَةِ؟ .
الْوَجْهُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّ مِنَ الْأَسْمَاءِ مَا تَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَبُ مُفْرَدًا مُجَرَّدًا عَنِ الْإِضَافَةِ، وَتَكَلَّمَتْ بِهِ مُقَيَّدًا بِالْإِضَافَةِ كَالْإِنْسَانِ مَثَلًا وَالْإِبْرَةِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنْسَانُ الْعَيْنِ وَإِبْرَةُ الذِّرَاعِ، وَقَدِ ادَّعَى أَرْبَابُ الْمَجَازِ أَنَّ هَذَا مَجَازٌ، وَهُنَا لَمْ يُسْتَعْمَلِ اللَّفْظُ الْمُجَرَّدُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ، بَلْ رُكِّبَ مَعَ لَفْظٍ آخَرَ، فَهُوَ وُضِعَ أَوَّلًا بِالْإِضَافَةِ، وَلَوْ أَنَّهُ اسْتُعْمِلَ مُضَافًا فِي مَعْنًى ثُمَّ اسْتُعْمِلَ بِتِلْكَ الْإِضَافَةِ بِعَيْنِهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا، بَلْ إِذَا كَانَ بَعْلَبَكَّ وَحَضْرَمَوْتَ وَنَحْوُهُمَا مِنَ الْمُرَكَّبِ تَرْكِيبَ مَزْجٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَصْلُهُ الْإِفْرَادَ وَعَدَمَ الْإِضَافَةِ، لَا يُقَالُ فِيهِ: إِنَّهُ مَجَازٌ، فَمَا لَمْ تَنْطِقْ بِهِ إِلَّا مُضَافًا أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ مَجَازًا فَتَأَمَّلْهُ.
الْوَجْهُ الثَّلَاثُونَ: أَنَّ مُثْبِتَ الْمَجَازِ وَالِاسْتِعَارَةِ قَدِ ادَّعَى أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ وَضَعَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهَا، وَلَا سِيَّمَا الِاسْتِعَارَةَ، فَإِنَّ الْمُسْتَعِيرَ هُوَ آخِذٌ مَا لَيْسَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِذَا قَالَ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ مَجَازٌ أَوِ اسْتِعَارَةٌ فَقَدِ ادَّعَى أَنَّهَا وُضِعَتْ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهَا، فَيُقَالُ لَهُ: فَهُمَا أَمْرَانِ: مُسْتَعَارٌ وَمُسْتَعَارٌ مِنْهُ، فَلَا تَخْلُو الْكَلِمَةُ الَّتِي جُعِلَتِ الْأُخْرَى مُسْتَعَارَةً مِنْهَا وَهِيَ أَصْلِيَّةٌ غَيْرُ مُسْتَعَارَةٍ أَنْ تَكُونَ قَدْ جُعِلَتْ كَذَلِكَ لِخَاصَّةٍ فِيهَا، اقْتَضَتْ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْأَصْلَ الْمُسْتَعَارَ مِنْهُ، أَوْ تَكُونَ كَذَلِكَ لِأَنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ جَاءَتْ بِهَا وَثَبَتَ اسْتِعْمَالُهُمْ لَهَا.
فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّمَا كَانَتْ مُسْتَعَارًا مِنْهَا وَهِيَ أَصْلٌ لِعِلَّةٍ أَوْجَبَتْ لَهَا ذَلِكَ فِي نَفْسِ لَفْظِهَا، قِيلَ لَكُمْ: مَا هِيَ تِلْكَ الْعِلَّةُ وَمَا حَقِيقَتُهَا؟ وَلَنْ تَجِدُوا إِلَى تَصْحِيحِ ذَلِكَ سَبِيلًا: فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّمَا كَانَتْ مُسْتَعَارًا مِنْهَا لِأَنَّ الْعَرَبَ تَكَلَّمَتْ بِهَا وَاسْتَعْمَلَتْهَا فِي خِطَابِهَا، قِيلَ لَكُمْ: فَهَذِهِ الْعِلَّةُ بِعَيْنِهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْكَلِمَةِ الَّتِي ادَّعَيْتُمْ أَنَّهَا مُسْتَعَارَةٌ وَأَنَّهَا مَجَازٌ، وَالْعَرَبُ تَكَلَّمَتْ بِهَذَا وَهَذَا، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَا مُسْتَعَارَتَيْنِ أَوْ تَكُونَا أَصْلِيَّتَيْنِ وَإِمَّا أَنْ تُجْعَلَ إِحْدَاهُمَا أَصْلًا لِلْأُخْرَى وَمُعِيرَةً لَهَا الِاسْتِعْمَالَ، فَهَذِهِ تَحَكُّمٌ بَارِدٌ.
فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّمَا جَعَلْنَا هَذِهِ أَصْلًا لِكَثْرَتِهَا فِي كَلَامِهِمْ، وَهَذِهِ مُسْتَعَارَةً لِقِلَّتِهَا فِي كَلَامِهِمْ، قِيلَ: هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْحَقَائِقِ نَادِرَةُ الِاسْتِعْمَالِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute