للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَقِيَ، سَوَاءٌ خُصَّ بِدَلِيلٍ مُتَّصِلٍ كَالِاسْتِثْنَاءِ، أَوْ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ كَدَلِيلِ الْعَقْلِ وَالْقِيَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ: وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَكُونُ مَجَازًا فِي الثَّانِي، سَوَاءٌ خُصَّ بِدَلِيلٍ مُتَّصِلٍ أَوْ مُنْفَصِلٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ بِأَسْرِهَا، وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ أَبَانٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَحَكَى بَعْضُ الْأَشْعَرِيَّةِ أَنَّهُ مَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ أَيْضًا، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ إِنْ خُصَّ بِدَلِيلٍ مُتَّصِلٍ كَانَ حَقِيقَةً فِي الْبَاقِي، وَإِنْ خُصَّ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ كَانَ مَجَازًا، ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْكَرْخِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ.

قَالَ: وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ فِي الثَّانِي يَحْتَجُّ بِلَفْظِ الْعُمُومِ فِيمَا يُخَصُّ مِنْهُ بِمُجَرَّدِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ عَلَيْهِ، وَمَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ يَكُونُ مَجَازًا لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِجَاجُ بِالْعُمُومِ الْمَخْصُوصِ فِيمَا بَقِيَ إِلَّا بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ: وَهَذَا الَّذِي حُكِيَ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ لَا يَجِيءُ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ عِنْدَهُ بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، إِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى الْعُمُومِ كَانَ حَقِيقَةً فِيهِ، وَإِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى الْخُصُوصِ وَكَانَ حَقِيقَةً فَكَيْفَ يَصِحُّ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ لَا حَقِيقَةَ فِيمَا بَقِيَ بَعْدَ التَّخْصِيصِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ اللَّفْظَ الْمُسْتَعْمَلَ فِيمَا بَقِيَ يُحْتَجُّ فِيهِ بِمُجَرَّدِهِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا: إِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الثَّانِي، فَإِذَا سَلِمَ هَذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ قَوْلِنَا إِنَّهُ مَجَازٌ فِيمَا بَقِيَ مَعْنًى فَإِنَّ مَنْ قَالَ: إِنْ ذَلِكَ يَكُونُ مَجَازًا فِيمَا بَقِيَ اسْتَدَلَّ بِنُكْتَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّ لَفْظَ الْعُمُومِ مَوْضُوعٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ بِتَجْرِيدِهِ، فَإِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى تَخْصِيصِهِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْخُصُوصِ وَيَعْدِلُ بَعْدَهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ بِالْقَرِينَةِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى خُصُوصِيَّةِ اللَّفْظِ وَإِذَا عَدَلَ بِهِ عَنْ مَوْضُوعِهِ إِلَى غَيْرِهِ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً.

أَلَا تَرَى أَنَّ اسْمَ الْأَسَدِ مَوْضُوعٌ فِي الْحَقِيقَةِ لِلْبَهِيمَةِ، وَإِذَا اسْتُعْمِلَ بِقَرِينَةٍ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ كَانَ مَجَازًا، وَكَذَلِكَ الْحِمَارُ اسْمٌ فِي الْحَقِيقَةِ لِلْبَهِيمَةِ، وَإِذَا اسْتُعْمِلَ بِقَرِينَةٍ فِي الرَّجُلِ الْبَلِيدِ كَانَ مَجَازًا، وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْعُمُومِ إِذَا اسْتُعْمِلَ فِي الْخُصُوصِ بِقَرِينَةٍ كَانَ مَجَازًا، قَالَ: وَدَلِيلُنَا أَنَّ لَفْظَ الْعُمُومِ إِذَا وَرَدَ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي اسْتِغْرَاقَ الْجِنْسِ، فَإِذَا وَرَدَ دَلِيلٌ التَّخْصِيصَ فَإِنَّ ذَلِكَ الدَّلِيلَ يُبَيِّنُ مَا لَيْسَ بِمُرَادٍ بِاللَّفْظِ وَيُخْرِجُهُ عَنْهُ لِيَكُونَ هَذَا الدَّلِيلُ قَدْ أَثَّرَ فِيمَا يُخْرِجُهُ عَنْهُ وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ بِهِ يُؤَثِّرُ فِيمَا بَقِيَ، بَلْ يَكُونُ مَا بَقِيَ الْحُكْمُ ثَابِتًا فِيهِ بِاللَّفْظِ حَسْبُ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ الدَّلِيلَ التَّخْصِيصَ مُنَافٍ لِحُكْمِ مَا بَقِيَ مِنَ اللَّفْظِ مُضَادٌّ لَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ يُثْبِتُ

<<  <   >  >>