الْإِرَادَاتِ إِنْ كَانَتْ طَلَبِيَّةً، وَالنِّسْبَةُ الْخَبَرِيَّةُ إِمَّا صَادِقَةٌ إِنْ طَابَقَتْ مُتَعَلِّقَهَا، وَإِمَّا كَاذِبَةٌ إِنْ لَمْ تُطَابِقْهُ، وَالنِّسْبَةُ الطَّلَبِيَّةُ إِمَّا إِنْ يَكُونُ الْمَطْلُوبُ بِهَا مَعْدُومًا فَيُطْلَبُ إِيجَادُهُ، وَهُوَ الْأَمْرُ، أَوْ مَوْجُودًا فَيُطْلَبُ إِعْدَامُهُ، أَوْ مَعْدُومًا فَيُطْلَبُ إِبْقَاؤُهُ عَلَى الْعَدَمِ وَكَفِّ النَّفْسِ عَنْهُ، وَهُوَ النَّهْيُ، وَهَذِهِ الْمَعَانِي لَا يُتَصَوَّرُ انْقِسَامُهَا فِي أَنْفُسِهَا إِلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ انْقِسَامًا مَعْقُولًا، فَلَا يَصِحُّ انْقِسَامُ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهَا، وَهَذَا عَكْسُ انْقِسَامِ اللَّفْظِ إِلَى خَبَرٍ وَطَلَبٍ، وَالطَّلَبِ إِلَى أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَإِنْشَاءٍ، فَإِنَّ صِحَّةَ هَذَا التَّقْسِيمِ اللَّفْظِيِّ تَابِعٌ لِصِحَّةِ انْقِسَامِ الْمَدْلُولِ الْمَعْنَوِيِّ، وَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ فِي:
الْوَجْهِ السَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ تَقْسِيمُ الْكَلَامِ إِلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ لَكَانَ ذَلِكَ إِمَّا بِاعْتِبَارِ لَفْظِهِ فَقَطْ أَوْ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ فَقَطْ أَوْ بِاعْتِبَارِهِمَا مَعًا، فَالتَّقْسِيمُ إِمَّا فِي الدَّلِيلِ وَفِي الْمَدْلُولِ! وَإِمَّا فِي الدَّلَالَةِ وَالْكُلُّ بَاطِلٌ، فَالتَّقْسِيمُ بَاطِلٌ، أَمَّا بُطْلَانُهُ بِاعْتِبَارِ لَفْظِهِ فَقَطْ فَظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ عَاقِلٌ: إِنَّ اللَّفْظَ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ مَعْنَاهُ وَمَدْلُولِهِ يَنْقَسِمُ إِلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ، وَأَمَّا بُطْلَانُهُ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى فَقَطْ فَلِمَا قَرَّرْنَاهُ مِنَ الْمَعَانِي لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا الْحَقِيقَةُ فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ وَإِمَّا مُنْتَفِيَةٌ، فَإِذَا بَطَلَ التَّقْسِيمُ بِاعْتِبَارِ كُلٍّ مِنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بَطَلَ بِاعْتِبَارِهِمَا مَعًا.
فَإِنْ قِيلَ: بَلِ التَّقْسِيمُ بِاعْتِبَارِ الدَّلَالَةِ فَإِنَّهَا إِمَّا حَقِيقَةٌ وَإِمَّا مَجَازِيَّةٌ.
قِيلَ: هَذَا أَيْضًا لَا يَصِحُّ فَإِنَّ الدَّلَالَةَ يُرَادُ بِهَا أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: فِعْلُ الدَّالِّ وَهُوَ دَلَالَتُهُ بِلَفْظِهِ يُقَالُ لَهُ دَلَالَةٌ، وَالثَّانِي: فَهْمُ السَّامِعِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنَ اللَّفْظِ، كَمَا يُقَالُ: حَصَلَتْ لَهُ الدَّلَالَةُ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّ الْأَوَّلَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَالثَّانِيَ بِفَتْحِهَا، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنَ اللَّفْظِ هُوَ حَقِيقَةٌ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ وُجُوهُ دَلَالَتِهِ بِحَسَبِ غُمُوضِ الْمَعْنَى وَخَفَائِهِ، وَاقْتِدَارِ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى الْبَيَانِ وَعَجْزِهِ، وَمَعْرِفَةِ السَّامِعِ بِلُغَتِهِ وَعَادَةِ خِطَابِهِ وَتَقْصِيرِهِ فِي ذَلِكَ.
فَإِذَا فَهِمَ السَّامِعُ مَقْصُودَ الْمُتَكَلِّمِ فَقَدْ فَهِمَ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، لِهَذَا يُقَالُ عَلِمْتَ حَقِيقَةَ مَقْصُودِي، وَفَهِمْتَ حَقِيقَةَ كَلَامِي، فَإِذَا قَالَ اقْطَعْ عَنِّي لِسَانَ فُلَانٍ الشَّاعِرِ، وَإِذَا دَخَلْتَ بَلَدَ كَذَا فَإِنَّ فِيهِ بَحْرًا فَاقْتَبِسْ مِنْهُ الْعِلْمَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَفَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ صَحَّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: فَهِمْتَ حَقِيقَةَ قَوْلِي، فَالدَّلَالَةُ هِيَ الْفَهْمُ، وَالْإِفْهَامُ يَنْقَسِمُ إِلَيْهِمَا، فَتَقْسِيمُ الدَّلَالَةِ إِلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ لَا يُعْقَلُ الْبَتَّةَ.
الْوَجْهُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ: وَهُوَ أَيْضًا يَجْتَثُّ الْمَجَازَ مِنْ أَصْلِهِ وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute